إمكانية تطبيق القانون الدولي المتعلق بالاحتلال العسكري على نشاطات المنظمات الدولية



 حددت نظرية القانون التشابه بين الاحتلال العسكري كما يراه القانون الدولي الإنساني وبعض . وتتطلب هذه العمليات نشر قوات دولية في أراضٍ ما،  العمليات التي تقوم بها الأمم المتحدة في ظل ظروف يغلب عليها عدم الاستقرار على الصعيدين السياسي والعسكري. يمكن للسلطات الدولية أن تمنح سلطة قيادية واسعة حسب الحالات. ومن منطلق هذا التشابه، يهدف هذا المقال إلى دراسة مسألة تطبيق القانون الدولي المتعلق بالاحتلال على نشاطات المنظمات الدولية، وتحديدًا على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية التي تحظى بأهمية خاصة، إذ إن 2 سلطتها تمتد إلى جميع مجالات عمل الدولة وتمارس بصورة مستقلة بعيدا عن سيادتها

وتعد تيمور الشرقية في الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 1999 حتى مايو/ آيار 2002، وكذلك كوسوفا من يونيو / حزيران 1999 إلى يومنا هذا، من الأمثلة الأكثر نجاح. ومن ناحية أخرى، تظهر أهمية الدراسة المتعمقة لهذا النوع من إدارة الأراضي في كونها قد تعود بالفائدة على التطورات التي تشهدها أوضاع أخرى مماثلة مثل تلك التي تسود في العراق حاليًا على وجه الخصوص. وفي المقابل، من المهم الرجوع – أولا - إلى فرع من فروع المعرفة التي يصعب إلى الآن فهم أبعادها ومحتواها، ولاسيما أن التعريف القانوني للاحتلال وكذلك تحديد القواعد التي تنطبق عليه قد شهد تطورا على مر الزمن بموجب التطورات التعاقدية التي طرأت على القانون الدولي للنزاعات المسلحة والممارسة المتعلقة به.

 ولذا ينبغي إلقاء الضوء - بقدر الإمكان- على النظام القانوني الذي يطبق على احتلال الأراضي في يومنا هذا. التعريف والنظام القانوني المتعلق بالاحتلال العسكري في قانون النزاعات المسلحة تعريف الاحتلال العسكري إن الجزء الأساسي من النظام القانوني المتعلق بالاحتلال العسكري مدرج في كل من اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة المؤرخة في عام 1907 والخاصة بقوانين وأعراف الحرب ، واتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في عام 1949 والمتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين 3 البرية وكذلك في البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، المؤرخ في 4 في وقت الحرب 5 1977 والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية . وتنص المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 ،على أنه "تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن

يتم هنا الأخذ بمبدأ السلطة الفعلية كما هي الحال بالنسبة 6 تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها" للقانون الدولي للنزاعات المسلحة بوجه عام. فمنطوق المادة 42 واضح بشكل كافٍ، إذ إن تعريف الاحتلال لا يرتكز على تصور الأطراف المعنية الذاتي للوضع بل إلى حقيقة واقعة ملموسة موضوعيًا متمثلة في خضوع أرض فعليا لسيطرة سلطة جيش العدو. عند اعتماد اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 1949 ،تم توضيح هذا التعريف وتوسيعه بعد . فمبدأ السلطة الفعلية كما تحدده على وجه الخصوص الفقرة الأولى من المادة الثانية 7 ذلك للاتفاقية ينطوي على تطبيق نظام الاحتلال العسكري الذي يطبق حتى لو لم تعترف الأطراف المتحاربة بحالة الحرب. بالإضافة إلى ذلك، يظل هذا النظام واجب التطبيق حتى لو لم تكن الهيمنة الأجنبية ناتجة عن نزاع مسلح. فالفقرة الثانية من المادة نفسها تضيف في الواقع بأنه " تنطبق الاتفاقية أيضًا على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يكن هذا الاحتلال يواجه أية مقاومة مسلحة". وبذلك تخرج المادة الثانية لاتفاقية 1949 عن الإطار الذي حددته المادة 42 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي . 

 ربطت بين هذه الحقيقة وظاهرة الحرب بنصها على أن الاحتلال يتميز بسيطرة "جيش عدو" فاتفاقية جنيف الرابعة تميل بذلك إلى توحيد القانون الذي يطبق على مختلف أشكال احتلال الأراضي مادامت نتاج عمل عسكري. فالفقرة الأولى من المادة الثانية التي تتعلق بالاحتلال المفروض تنص على أنه " في حالة الحرب المعلنة أو في أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة " والفقرة الثانية المتعلقة بحالات الاحتلال الذي لا يواجه بمقاومة مسلحة تنتهي كلتاهما إلى وضع نظام قانوني متماثل، وهو ذلك النظام الذي 9 نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة . وبالإضافة إلى هذه الأوضاع، هناك عدة أنواع من الاحتلال للأراضي تبدأ من الاتفاق على الاحتلال أو الدعوة إليه، وتنتهي إلى الاحتلال بعد نهاية الانتداب الدولي (كما كان الحال في ناميبيا بعد 1966 .

(ويتعين إذًا بشكل عام التمييز بين حالات الاحتلال الحربي (في حالة الحرب أو الهدنة أو بعد الاستسلام، ...إلخ)، وحالات الاحتلال السلمي (بعد عقد الاتفاق) فالأنواع الأولى تسمح عادة بتطبيق الاتفاقيات المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية في حين أن الأنواع الثانية يمكن أن تستوحى بالقياس من هذه الاتفاقيات وذلك دون تطبيقها رسميًا. وسوف نستخدم مصطلح الاحتلال بالمعنى الحصري بدون أية إيضاحات أخرى للإشارة إلى تلك التي تتعلق بالفئة الأولى. وفيما يخص الاحتلال الحربي، تضع الفقرة الثانية من المادة السادسة من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بنهاية الاحتلال فروًقا بينها. فعندما يكون الاحتلال ناتجا عن نزاع مسلح يوضح نص الفقرة الثانية من المادة السادسة أنه " يوقف تطبيق هذه الاتفاقية في الأراضي المحتلة بعد عام . أما في حالة استمرار الاحتلال، فُتطبق قائمة 11 واحد من انتهاء العمليات الحربية بوجه عام" . وفي المقابل لم تتطرق المادة السادسة إلى حالات 12 من الأحكام المحددة لهذا الغرض الاحتلال الذي لم تقابله مقاومة عسكرية. 


ومن وجهة نظر "بيكتيه" فإن الاحتمال الأكبر أن يكون عدم التطرق لهذه المسألة متعمدا وفي الواقع، يرى الكاتب أن الوفود المشاركة في مؤتمر 1949 أرادت بهذه الطريقة أن تدلل على وجوب تطبيق هذه الاتفاقية في حال حدوث . يأتي هذا الاستخلاص متماشيًا مع التأويل الذي 13 تلك الافتراضات مادام الاحتلال مستمرا يمكن أن نصل إليه في حال الشك، إذ إن القاعدة التي بني على أساسها القانون العرفي والتي استثنتها الفقرة الثانية من المادة السادسة هي مبدأ السلطة الفعلية: يجب تطبيق القواعد الخاصة بالاحتلال مادام قائمًا. في 14 وعند اعتماد البروتوكول الأول الإضافي لعام 1977 تم التخفيف من حدة هذا الخلاف المعاملة، إذ لم يعد هذا الأساس الذي بني عليه واضح، كما باتت نتائجه العملية غير مرضية. فالمادة الثالثة (الفقرة ب) من البروتوكول الأول الإضافي تنص على "توقف تطبيق الاتفاقيات والبروتوكول عند نهاية الاحتلال أيا كانت أسبابه". وبالنسبة للدول الأطراف في البروتوكول باتت المناقشات الدائرة حول تحديد الإيقاف العام للعمليات العسكرية من الآن فصاعدا غير مجدية. وفي حال تلك الدول، تترتب نهاية الاحتلال على عدة ظروف حقيقية أو قانونية متنوعة يمكن تقسيمها إلى عدة فئات "استئناف العمليات العدائية بشكل تعجز فيه قوات الاحتلال عن السيطرة الفعلية على الأراضي، أو انسحاب قوات الاحتلال بإرادتها أو بغير 15 إرادتها أو في حالة إبرام اتفاق يمنح قوات الاحتلال وضعا جديد" . وعلى غرار هذا الإطار التعاقدي، ساهمت الممارسة في مسألة تحديد وتطوير التعريف . ووفًقا لما أثبته "روبرتس" فإن هذا المفهوم يتسع بالقدر الكافي 16 المتعلق بالاحتلال العسكري . ومع ذلك يقترح الكاتب إمكانية تحديد بعض المعالم 17 ليشمل مجموعة متنوعة من الحالات المشتركة على الرغم من وجود هذا التنوع؛ ويلخصها في النقاط الأربع التالية: (1 (أن توجد قوة عسكرية على أرض ما، دون اتفاق صحيح يجيز ذلك أو ينظمه أو تكون النشاطات التي تمارسها عليها تشمل قدرا واسعا من الاتصالات مع المجتمع المضيف والتي لم يغطها على نحو كافٍ الاتفاق الأصلي الذي أجاز تدخلها. (2 (أن يكون الجيش قد استعاض عن النظام الساري في الأرض والمتعلق بالنظام العام والحكومة بهيكل قيادي خاص به أو أبد بوضوح قدرته المادية على الاستعاضة عنه. (3 (أن يوجد فرق من حيث الجنسية والمصلحة بين السكان من ناحية وبين القوة التي تتدخل في شؤونهم وتمارس سلطتها عليهم من ناحية أخرى، وألا يدين الأول بالولاء إلى الآخر. (4 (أن يكون هناك انقسام بين أجزاء مهمة من النظام القانوني المحلي أو الدولي وأن يتعين على الإدارة والحياة الاجتماعية، على الرغم من ذلك، الاستمرار في هذا الإطار وفقا لبعض القواعد القانونية، وأن يتطلب ذلك من الناحية العملية، مجموعة من قوانين الطوارئ للحد من المخاطر التي قد تسفر عن اشتباكات بين القوات العسكرية 18 والسكان" . 

فالاحتلال يدخل إذن في إطار قانون النزاعات المسلحة الدولية. فعند سيطرة جيش أجنبي بشكل فعلي على أرض ورفض السلطات ذات السيادة الاعتراف به، يعد ذلك احتلالاً. يدلل على هذا الوضع، شكل من أشكال المقاومة التي يبديها صاحب السيادة وسكان الأرض والدفع بتطبيق القواعد اللازم تطبيقها في ظل انعدام الاستقرار هذا. فهكذا يعتبر "بنفينيستي" الاحتلال هو "سيطرة القوة الفعلية (سواء كانت دولة أو أكثر من دولة أو منظمة دولية كالأمم المتحدة) 19 على أرض ليست لها عليها أية سيادة ورغم إرادة السلطة ذات السيادة على هذه الأرض" . النظام القانوني المتعلق بالاحتلال العسكري على الرغم من أن إطار هذا البحث لا يسمح بتحليل القواعد واجبة التطبيق تفصيليا في حالات الاحتلال العسكري، فمن المهم التذكير بأن هذا النظام يتميز في خطوطه العريضة بمبدأين عامين هما: وجوب احترام حقوق الفرد والمحافظة على وضع الأراضي والقوانين على ما هو . فالمبدأ الأول جرى تجسيده عن طريق عدة قواعد تح ّرم على سبيل المثال عمليات 20 عليه وتدمير الممتلكات 23 واستيطان الأرض المحتلة 22 والأشغال الشاقة 21 النقل الجبري والترحيل ... إلخ. 24 المنقولة أو غير المنقولة والمبدأ الثاني ينص على أن الاحتلال يجب ألا يغّير من وضع الأرض المعنية وألا يفضي . وتنص المادة 47 من اتفاقية 25 على وجه الخصوص إلى انتقال السيادة على هذه الأرض جنيف الرابعة على أنه:" لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأية حال أو بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة". ويكرس هذا النص عدم المساس بالحقوق في الأراضي المحتلة حيث تزيد في هذه الحالة بشكل خاص حدة خطر الضغوط على السكان المدنيين المعادين. وفي جانبه التشريعي الذي سوف نقوم ببحثه بشكل مفصل، فإنه [الاحتلال] يعني أيضا استمرارية النظام القانوني الساري في الأرض المحتلة. تعبر المادة 43 من اللائحة المؤرخة في سنة 1907 عن هذا المبدأ وذلك بفرضها على قوة الاحتلال احترام "القوانين السارية في . وتكمل المادة 64 من اتفاقية 26 البلاد،" إلا في حالة الضرورة القصوى التي تحول دون ذلك" جنيف الرابعة لسنة 1949 هذا النص حيث تضيف بأنه يجب أن تبقى التشريعات الجزائية السارية نافذة، ولا يجوز للمحتل أن يغيرها إلا إذا كان فيها ما يهدد أمنه أو يمثل عقبة في تطبيق القانون الدولي الإنساني. تبقى محاكم الأرض المحتلة أيضا مختصة بالبت في الجرائم المخلة بالقانون المحلي، وذلك بما لا يتعارض وتطبيق القانون الدولي الإنساني أو سير العدالة 27 الطبيعي . وبصورة أعم، تنص المادة 64 على أنه يجوز لدولة الاحتلال سن القوانين التي . 

وبالتالي تكون استمرارية القانون المحلي هي المبدأ بينما يظل 28 تراها فقط "ضرورية " تغييره هو الاستثناء. ورغم منطوق المادة 64 الذي يرجع إلى "التشريعات الجزائية" فإن ذلك يسري أيضا على النظام القانوني برمته. وفي هذا الصدد، يؤكد "جون بيكتيه"على "أنه إذا لم يشر المؤتمر الدبلوماسي صراحة إلا إلى احترام القانون الجنائي فإنما ذلك بسبب عدم مراعاة هذا القانون إبان النزاعات السابقة بشكل كافٍ. ولا مجال للاستنتاج من ذلك- بمفهوم 29 المخالفة- أن المحتل غير ملزم باحترام التشريع المدني ولا حتى النظام الدستوري" . وعلى الرغم من ذلك، لم يتحدد مغزى مبدأ استمرارية النظام القانوني بوضوح حيث يظل من . في الوقت الذي يتسم فيه ما 30 جهة أخرى موضع نقاش فقهي لم يبت فيه إلى يومنا هذا  تفرضه المادة 43] من لائحة لاهاي] لسنة 1907 بالصرامة الشديدة، أي أنه يجب احترام القانون الساري، "إلا في حالة الضرورة القصوى التي تحول دون ذلك"، فإن ما تتضمنه المادة 64 ] من اتفاقية جنيف] لسنة 1949 يبدو قابلا لمجال تدخل أوسع. فهي تسمح فعلا للمحتل بسن التشريعات "الضرورية " لتحقيق بعض الأهداف المشار إليها مثل الوفاء بالتزاماته حيال القانون الإنساني وإدارة الأرض بانتظام وضمان أمنه الخاص. وللوهلة الأولى ووفًقا لرغبة ، يمنح هذا الفارق الدقيق سلطة الاحتلال هامش تحرك 31 المفاوضين الذين أبرموا الاتفاقية أوسع فيما يتعلق بممارسة سلطتها الخاصة بتغيير القانون الداخلي. وبالرغم من ذلك، فإن الدراسة المتأنية لهذين النصين تقتضي إعادة النظر في هذا الانطباع 1907 ،والتي تعبر عن صيغة 32 الأول. ذلك أن فحوى المادة 43 من لائحة لاهاي لسنة توفيقية جرى التوصل إليها إثر جدل مكثف، بدأ إبان المؤتمر الأول الذي عقد في لاهاي سنة 1899 واستمر خلال المؤتمر الثاني الذي عقد في سنة 1907 ،فيها من السعة ما يفقدها الكثير من قيمتها كقاعدة. إذ تنص المادة على أنه يتعين على المحتل اتخاذ "جميع الإجراءات التي (" order Public ∗ بحوزته بغية إعادة وضمان النظام والحياة العامين وذلك قدر المستطاع safety and) ."("التأكيد من المؤلف). إذا كان النظام العام يعد مفهوما قانونيا محددا نسبيا إلا أن ذلك لا ينطبق على مفهوم الحياة العامة الذي يتسم مضمونه بالغموض بحيث يمكن تفسيره بشكل مبدئي على أنه يشتمل على جميع النشاطات التي تمارسها سلطات الدولة بوجه عام . فالفارق بين سلطة المحتل وسلطة 33 صاحب السيادة قد يصبح بذلك ضئيلا. إن كلمة "أمن" التي تقابلها "حياة عامة" في الترجمة الإنجليزية تسمح فقط بحصر مفهوم قابل للمد في النص الفرنسي بشكل كبير. ومن ناحية أخرى، إن الالتزام بـ "إعادة وضمان" النظام العام والحياة العامة يتيح هامشًا يبدو هو أيضا مغالى فيه. فكلمة "إعادة" تشمل جميع الأعمال التي يتعين القيام بها في الحال كلما أمكن ذلك حتى يتسنى إعادة الأوضاع إلى طبيعتها، مما يعني إعادتها كما كانت قبل اندلاع . وبذلك تكون 34 النزاع المسلح أو قبل نشر القوات الأجنبية في حال الاحتلال غير العسكري سلطة المحتل التقديرية في هذه الحال محدودة. أما كلمة "ضمان" النظام العام والحياة العامة فلا تفرض في المقابل إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، بل على العكس قد يتطلب الأمر وخاصة إذا امتدت فترة الاحتلال أن يقوم المحتل باتباع سياسات تفضي إلى تغييرات مهمة في التشريع المحلي. 


فمنطوق المادة 43 لا يعطي في هذه الحال معيارا ثابتا يسمح بإبداء الرأي . ومن جهة أخرى، تبرز الممارسة هذا الغموض المقصود إذ 35 حول شرعية هذه التغييرات يقوم المحتلون وفقا لمتطلباتهم تارة بالاستناد إلى عدم وضوح فحوى المادة [المادة 43 [لتبرير أسباب ممارستهم لسلطات واسعة وتارة بالرجوع إلى البند التحديدي الذي يظهر في نهاية . 36 الفقرة، وذلك لتقليص المسؤوليات التي تقع على عاتقهم والمنبثقة من وضعهم كمحتلين ولذا يتعين اللجوء إلى اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة سنة 1949 لإيجاد بعض الاتجاهات الأكثر دقة بغية الوقوف على أبعاد سلطة المحتل. وينبغي أن نذ َّكر في هذا الصدد بأن الفقرة الأولى من المادة 64 لا تسمح بإلغاء أو تعطيل التشريعات الجزائية المحلية إلا في حالتين هما: وجود تهديد لأمن المحتل، ولضمان تنفيذ القانون الإنساني. ولم يرد ذكر أسباب أخرى. وكما توضح اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن "لهذين الاستثناءين طابعا تقييديا صارما فلا يستطيع المحتل إلغاء التشريعات الجزائية أو تعطيلها لأسباب أخرى لاسيما من أجل مجرد . ومن ناحية أخرى، قد يتعين فقط إلغاء أو 37 مواءمتها مع المفاهيم القانونية الخاصة به" تعطيل الأحكام التي من شأنها أن تحول دون تحقيق هذين الهدفين على وجه التحديد. فلن يكون من الممكن تبرير استبعاد قانون العقوبات برمته من منطلق هذه القاعدة. 


وفوق ذلك، يتبع النظام القضائي المنطق ذاته. فالفقرة الأولى من المادة 64 تفرض مواصلة محاكم الأراضي المحتلة عملها إلا في حال تعارض ذلك مع القانون الدولي الإنساني أو إقامة العدل بشكل فعلي. وبخلاف هذين الاستثناءين "لا يحق للمحتل إذًا (...) تسيير العدالة الجنائية . 38 أو معاقبة القضاة الذين يطبقون بإخلاص قانون بلادهم بأي شكل من الأشكال" وبذلك تكون الاتفاقية قد عرفت سلطة المحتل بوضوح من الناحية الجزائية. إلا أنه على العكس من ذلك، ليست الحال هي نفسها في الاختصاصات الأخرى. فلقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 64 تنص على أن سلطة المحتل التشريعية تقتصر على حالات ثلاث وهي: الوفاء بالتزاماته حيال القانون الدولي الإنساني وضمان إدارة الأراضي بانتظام وكذلك ضمان منه الخاص. وعلى غرار منطوق المادة 43 من لائحة 1907 ،يبدو مضمون هذه المادة من السعة بحيث يكفل للمحتل، في الحقيقة، سلطةً تقارب سلطة صاحب السيادة. فالالتزام "بإدارة الأرض بانتظام" مثل وجوب "إعادة وضمان النظام العام والحياة العامة"، يمنح المحتل في الواقع، بسبب عدم وضوحه هذا، مساحة واسعة لممارسة نشاطاته، ويبدو أن عليه وضع حدود . ومع ذلك، من الجدير بالأهمية التأكيد على أنه يحظر على المحتل بشكل 39 لها وفًقا لتقديره واضح اتخاذ أية تدابير من شأنها المساس بالسيادة بشكل مباشر. فهو لا يستطيع، من تلقاء نفسه، اتخاذ قرار بتغيير وضع الأرض المحتلة بضمها أو تشجيع استقلالها على سبيل المثال. فوضع الاحتلال بصفته هذه لا يسمح في الواقع بنقل السيادة. تشبيه العمليات الدولية بعمليات احتلال الأراضي نظرية القانون يفسح هذا الإطار المفهومي والقانوني بعض مجالات التفكير التي تسمح بحصر مسألة تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال على بعض نشاطات المنظمات الدولية بشكل أفضل، وبوجه خاص الإدارات المدنية الانتقالية. وقد رأى العديد من المؤلفين بصفة عامة أن قوات المنظمات الدولية، وخاصة تلك التابعة للأمم المتحدة، تستطيع أن تجد نفسها وفقا للأحوال، في وضع ما 40 يتطابق مع الشروط المادية لتطبيق مجموعة القواعد المشار إليها. ويؤكد "بنفنيستي"، على سبيل المثال في تعريفه للاحتلال، إلى أنه يمكن أن يمارس من خلال " دولة واحدة أو أكثر، ويتحدث "روبرتس" 41 أو من منظمة دولية، مثل "منظمة الأمم المتحدة" (الإشارة من المؤلف) أيضا، من وجهة نظره، عن احتلال (سلمي) تمارسه منظمة الأمم المتحدة من شأنه أن يسمح 42 بتطبيق القانون المتعلق بالاحتلال . .



 وفي الواقع، يرى العديد من المؤلفين أن هناك فرقًا بين 43 غير أن المسألة تبقى موضع جدل وضع القوات الدولية المنتشرة في الميدان ووضع المحتل، وينادون بالتالي بتطبيق نظام قانوني وجرى التأكيد على أنه من الصعب النظر إلى القوات الدولية على أنها جيش 44 مختلف احتلال، لأن هدفها ليس الدفاع عن مصالح معينة لدولة ما، ولكن ضمان حماية السكان المحليين. بالإضافة إلى هذا، لا ُتشكل القوات الدولية بطبيعة الحال المصدر الوحيد للسلطة في الأراضي التي تعمل بها، ولا تتصرف دائمًا في غياب صاحب السيادة. ويشدد "شراغا" أيضا على أنه" أياً كانت ماهية العلاقة بين المحتل والخاضع للاحتلال فهي خلاف على المصالح، فما يميز "إدارة الأمم المتحدة لأراضٍ ما، هو التعاون بين القوة والسكان 45 المحليين" . غير أنه بدلا من استبعاد قابلية التطبيق، بحد ذاتها للقانون المتعلق بالاحتلال العسكري على نشاطات المنظمات الدولية، توضح هذه البراهين بعض العوامل التي قد يكون من شأنها التأثير على التطبيق في الواقع. صحيح أن أهداف العمليات الدولية تحظى مبدئيًا بموافقة السكان المحليين، إلا أنه قد يحدث أيضا أن تجد القوات الدولية نفسها في وضع يتشابه في خواصه مع الخواص الموضوعية للاحتلال. وفي هذه الحالة، ليس من الممكن أن تؤدي شرعية العملية إلى إعادة النظر في قابلية تطبيق الأحكام المنصوص عليها. ولم تغفل نظرية القانون مسألة تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال العسكري، من الناحية القانونية على وجه الخصوص في إطار العمليات القسرية التي تستند إلى المادة 42 من ميثاق . فتنفيذ التفويض المخوّل للقوات من هذا المنطلق، يتم 46 الأمم المتحدة ومهمات فرض السلام في الواقع وبشكل محدد، بإرادة أو دون إرادة سلطات الأراضي التي تنشر عليها. وفي حال توصل هذه القوات إلى ممارسة سيطرة فعلية على هذه الأراضي، تجتمع الشروط المادية . إلا أن الوضع قد يتطور 47 لتطبيق اتفاقيتي لاهاي لسنة 1999 وجنيف الرابعة لسنة 1949 إذا توصلت الدولة المحتلة والمنظمة إلى اتفاق حول المبدأ وأشكال الوجود الدولي، أو إذا وضعت- كما سوف نرى- إدارة مدنية دولية انتقالية.

وفي المقابل، يصبح التطبيق المباشر للقانون المتعلق بالاحتلال بعيدا، خاصة فيما يتعلق . وفي الواقع، تنشر هذه القوات دائما بعد التوصل إلى اتفاق مسبق بين 48 بعمليات حفظ السلام المنظمة التي تعمل بموجب تفويض والدولة التي تنشر فيها القوات، وهو ما يستبعد، على الأقل في بداية العملية، تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال. وقد يحدث أيضا أن ينقض الاتفاق أو تنهار الحكومة المحلية فتصبح القوات الدولية مجبرة على توسيع نطاق اختصاصاتها، فتأخذ على عاتقها جميع المهام المتعلقة بالنظام والأمن العام. ويحتمل في هذه الحال أن تقوم القوات الدولية بدور المحتل دون أن يتمكن صاحب السيادة السابق من أن يعلن موقفه من هذا . 49 التطور الممارسة المتعلقة بعمليات حفظ وإعادة السلام يذكر "كيلى" أن شروط تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال العسكري اكتملت عدة مرات على مدار التاريخ العسكري للأمم المتحدة: كما كانت الحال، على وجه الخصوص، في الكونغو، 1995 .إلا 50 في بداية الستينيات، وكمبوديا في 1991 ،والصومال في 1993 ،والبوسنة في أنه في كل هذه الحالات لم تسع الأمم المتحدة إلى تطبيق للقواعد ذات الصلة من الناحية القانونية، بل وصل الأمر إلى اعترافها- كما كانت الحال بالنسبة للصومال- بأنه "في ظل ظروف انهيار دولة فإنه يمكن أن نجد في اتفاقية جنيف الرابعة الخطوط الإرشادية المناسبة .



 وفي المقابل، أبدت بعض الدول 51 لتنظيم العلاقات بين قوات حفظ السلام والسكان المحليين" التي تشارك في عمليات دولية، الكثير من الجرأة في هذا الموضوع. وهكذا اعترفت الحكومة الأسترالية أثناء النزاع الصومالي بأن القانون المتعلق بالاحتلال يطبق بقوة القانون عند تدخل . 53 وأن عليها إدارة العمليات التي يقودها جنودها في هذا السياق 52" قوة التدخل الموحدة يبدو أن ممارسة الأمم المتحدة تفضل أولئك الذين ينادون بعدم تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال على العمليات العسكرية التي تقوم بها المنظمات الدولية على الأقل من الناحية القانونية. علاوة على ذلك، يساهم التعميم الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة سنة في دعم هذا الانطباع حيث إنه لا يذكر هذا النظام القانوني. وصحيح أن هناك 54 1999 بعض القواعد المذكورة في المادة السابعة (معاملة السكان المدنيين أو الأشخاص العاجزين عن القتال) والمادة الثامنة (معاملة الأسرى) والمادة التاسعة (حماية الجرحى، والمرضى وأفراد الخدمات الطبية والإغاثة) من هذا النص والتي تقدم بعض العناصر القانونية التي تتناسب والأوضاع التي تهمنا في هذا السياق. إلا أنها تظل عامة التطبيق، وبالتالي فهي ليست كافية لتنظيم حالة احتلال ما بطريقة محددة وكاملة. موافقة الدولة المستضيفة في حالة الإدارات المدنية الانتقالية الدولية ويـعد الوضع المتعلق بالحالة الخاصة بالإدارات المدنية الانتقالية الدولية، أكثر وضوحا. واستنادا إلى مثالي كل من تيمور الشرقية وكوسوفا، تؤكد نظرية القانون على أنه إذا أعطى صاحب السيادة السابق موافقته على وضع النظام الجديد فلا يكون هناك احتلال بالمعنى . إذن يجب اللجوء إلى مصادر 55 الحصري، لأنه ليس هناك تعارض بينه وبين القوات الدولية أخرى للقواعد، لاسيما قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، لضمان حماية المدنيين. لا يعد المعيار المتعلق بموافقة الدولة التي تمارس سيادتها على الأراضي المعنية، كافيا تماما، لأنه لا يميز الإدارات الانتقالية الدولية ولا يسمح بالتالي بالتوصل إلى حل متماثل في جميع الحالات. وفي الواقع، ليس من المستحيل أن تقام هذه الهياكل المؤسسية بإرادة صاحب السيادة أو بدونها. 


وإذا اكتفينا بمعايير إرادة الدولة فقط، يتعين إذًا أن يعد القانون المتعلق بالاحتلال مطبقًا في هذه الحالة، بينما لم يكن كذلك في حالة تيمور الشرقية وكوسوفا. نصل هكذا إلى معالجة أوضاع- بطريقة مختلفة- تتطلب في الواقع حلولاً متماثلة لاسيما من خلال وجهة النظر الخاصة بحماية السكان المدنيين. وعلاوة على هذا، إذا تناولنا حالة كوسوفا، على وجه التحديد، فمن الصعب أن نغفل مسألة شرعية موافقة السلطات اليوغوسلافية على نشر بعثة الأمم المتحدة للإدارة المؤقتة في . لقد منحت هذه الموافقة في الثالث من 57 ، وأيضًا قوة الأمن الدولية في كوسوفا 56 كوسوفا يونيو /حزيران 1999 عندما وافق البرلمان الصربي والحكومة الفيدرالية ليوغوسلافيا على السماح بنشر قوات مدنية وعسكرية دولية في كوسوفا، في حين كانت حملة القصف لاتزال . وقد قُبل هذا القرار بصفة رسمية بعد "الاتفاق العسكري-التقني" المبرم بين قوات 58 مستمرة كوسوفا وحكومة الجمهورية الفيدرالية ليوغوسلافيا وجمهورية الصرب في التاسع من يونيو ، في ضوء المادة 52 من اتفاقية فيينا المتعلقة 59/ حزيران 1999 .فتساءل بعض المراقبين ، عن مدى شرعية اتفاق أبرم تحت الضغط، ضمن سياق 60 بقانون المعاهدات لسنة 1969 كانت فيه شرعية استخدام القوة، أقل ما يقال، محلاً للجدل. وإذا كان معيار إرادة صاحب السيادة كافيًا عندما تمنح الحكومة المعنية بكل حرية موافقتها على وضع نظام جديد فإنه، يظهر في المقابل أن هذا المعيار أقل فاعلية عندما يكون هناك شك، أو عندما يكون الخلاف واضحا. ويعمل هذا المعيار بطريقة عشوائية ويقود إلى حدوث حالات من عدم المساواة القانونية. فالمعيار الذي يسمح بتوحيد القانون المطبق على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية، هو الذي يتعين الأخذ به، ويعني ذلك أنه معيار يغير طبيعة هذه الكيانات في حد ذاته سلطة مجلس الأمن في وضع الإدارات المدنية الانتقالية الدولية ما يبدو قاطعا في هذا الخصوص هو أن هياكل السلطة الجديدة التي تم وضعها تجد أساسا لها في قرار لمجلس الأمن يقتضي إجراء تحويل في النظام القانوني والمؤسسات في الأراضيِ المعنية، خاصة فيما يتعلق بمهام الشرطة والقضاء. وفي جميع الأحوال، فالنظام المطبق يبعد عن الحدود الملازمة لنظام الاحتلال ويفرض عندئذ تطبيق قواعد محددة. ويقع على عاتق بعثة الأمم المتحدة للإدارة المؤقتة في كوسوفا، بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 1244 ،مسؤولية "تنظيم إرساء قواعد المؤسسات الانتقالية للحكم الذاتي الديمقراطي وقد كان هذا الهدف، حافزا 62 من أجل منح كوسوفا "حكما ذاتيًا موسعا". 61 والإشراف عليها" لإجراء عملية تحويل جذرية للقانون المطبق في الإقليم خاصة من خلال تجديد شامل للقانون الجنائي الساري وإعداد إطار دستوري جديد. وفي حالة تيمور الشرقية، فإن التفويض الذي منح للوجود الدولي في الإقليم تعدى أيضًا الحدود التي فرضتها قواعد الاحتلال العسكري، عهد إليها "بمسؤولية 63 وذلك يرجع إلى أن إدارة الأمم المتحدة الانتقالية في تيمور الشرقية إدارة تيمور الشرقية بشكل عام" وتم تمكينها من ممارسة جميع "السلطات التشريعية والتنفيذية 65 ، وذلك بهدف دعم عملية الحكم الذاتي في الإقليم 64 بما فيها سير العدالة " . وبطريقة أكثر منهجية، هناك مميزات مشتركة بين مثالي تيمور الشرقية وكوسوفا اللذين . وتتمثل هذه 66 يشكلان ما يعتبره "ستان" "تدويل الأراضي بمقتضى الفصل السابع من الميثاق" المميزات، على وجه الخصوص، في منح الأمم المتحدة سلطات تنظيمية واسعة وحصرية على الأراضي المعنية، وتحويل القانون المحلي بحيث ينفذ جنبا إلى جنب مع نظام قانوني تفرضه الأمم المتحدة، وتدويل المؤسسات المحلية وإسناد جزء من الشخصية القانونية الدولية 67 للأراضي المعنية. ومن الواضح، عند قراءة هذه المميزات، أن وضع الإدارات المدنية الانتقالية الدولية كما حددته قرارات مجلس الأمن والممارسة اللاحقة، يفضي إلى تحويل عميق في الأراضي المعنية أكثر بكثير مما ينص عليه أو يسمح به القانون المتعلق بالاحتلال. إن قصد مجلس الأمن في الحالتين المذكورتين آنفا، كان وضع مؤسسات يتعدى تفويضها مجرد كونها "إدارة نظامية للأراضي" كما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 .وإذا كان هذا الحكم واسعا بدرجة تسمح باتخاذ مجموعة هائلة من التدابير، فمن المشكوك فيه في المقابل أن يشجع الاحتلال على منح الأراضي المعنية" "حكما ذاتيًا موسعا" أو"استقلالاً". وفيما يتعلق بالشق الجنائي كما كانت عليه الحال في كوسوفا، فقد تتطلب احتياجات الإدارة الانتقالية إجراء تغيير للتشريع، دون أي تبرير بموجب أحد الأسباب المقيدة التي تم سردها في الفقرة الأولى من المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة. كما يمكن للتفويض الذي يمنحه مجلس الأمن أيضًا السماح بتعديل النظام القضائي، حتى إذا لم يظهر أن هذا الأمر ضروري عند تطبيق القانون الدولي الإنساني أو تسيير العدالة فعليًا. فهل يجب عندئذ الاعتقاد أن الإدارتين الدوليتين في كوسوفا وتيمور الشرقية تشكلان بالوضع الذي هما عليه نظامين مناقضين للقانون المتعلق بالاحتلال ويجب إذن حظرهما؟ ولكننا نفضل أن نأخذ بالاعتبار أن مجلس الأمن، أراد أن يخلق أوضاعًا تبتعد عن مجال التطبيق عندما 68 المادي للقانون الدولي المتعلق بالاحتلال، وتتطلب بالتبعية، تحديد نظام قانوني خاص قضى بوضع مؤسسات مخصصة بتعديل قانون ومؤسسات هذين الإقليمين. وينبع مثل هذا التحويل من الطبيعة الخاصة للإدارات المدنية الانتقالية الدولية. وفي الواقع تثبت الممارسة أن نشر الوجود الدولي في هذا السياق يخدم المصلحة العامة، أي مصلحة المجتمع الدولي، ويهدف على وجه الخصوص إلى حماية السكان المحليين. على عكس ذلك، يحقق الاحتلال مصلحة خاصة، أي مصلحة الدولة المحتلة، وهو قائم مبدئيا ضد إرادة السكان والسلطات في الأراضي المعنية. وندرك عندئذ أنه قد يترتب على هذين الوضعين اللجوء إلى أنظمة قانونية مختلفة. وبسبب الاختلافات سالفة الذكر، يتعين على مجلس الأمن أن يكون قادرًا على فرض حلول تتوافق والمميزات الخاصة للإدارات الانتقالية. 


وفي الواقع، يمنح الإطار القانوني والمؤسسي المطبق على تلك الإدارات نوعا من المرونة تسمح بتلبية احتياجات يعجز القانون المتعلق بالاحتلال عن تلبيتها بطريقة تامة. قد تتطور فترة الانتقال التي تقوم بها الإدارة الدولية على مدار عدة أعوام، وقد يتطلب ذلك إجراء تحويلات جذرية، إلا أنه ليس من الممكن إجراء تطورات مماثلة استنادا إلى القانون المتعلق بالاحتلال. وإذا لم تقع الإدارات المدنية الانتقالية الدولية ضمن نطاق تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال، فإن مسألة سلطة مجلس الأمن في تبديل مجموعة القواعد القانونية -كما هو مبين في النصوص والقانون العرفي- ليست واردة على الأقل بالمعنى القانوني الحصري. وعندئذ، فإن مسألة الصفة الإلزامية لهذا القانون بالنسبة للدول و/أو لمجلس الأمن ليست مطروحة. إلا أننا نرى مدى دقة الخط الفاصل بين إجراء استثناء من خلال إرساء نظام خاص –مقبول من وجهة نظر القانون الملزم –، واللجوء إلى حل الحكم الذاتي الذي لا يمس نظام الاحتلال من خلال عدم انطباق هذا الأخير من حيث الاختصاص النوعي والمحلي، وهو حل لا ينال من القانون الإلزامي. يبرز مثالا كل من كوسوفا وتيمور الشرقية بذلك وجود إمكانية جديدة للسلطات المخولة لمجلس الأمن بموجب نص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . بالإضافة إلى أنه يعد الهيئة الشرعية الوحيدة، مع مراعاة الصلاحيات الخاصة بالجمعية العامة، التي لها حق السماح باللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، وله أيضا، بمقتضى السلطات نفسها، الحق في إقامة سلطات تتعدى الحدود المفروضة بموجب القانون المتعلق بالاحتلال، وذلك في حال تهديد السلام أو عدم استتبابه أو حدوث عمل عدواني. ومع افتراضنا أن القانون المتعلق بالاحتلال يمكن أن يطبق، في ظل شروط معينة،على العمليات التي تقوم بها القوات الدولية، يرى"جرين وود" بذلك أن مجموعة القواعد القانونية "من شأنها أن تطبق [---- ] فقط، إلا إذا- أو عند- استخدم مجلس الأمن السلطات الممنوحة له بموجب الفصل السابع لفرض نظام مختلف 69 كجزء من التدابير التي تعد ضرورية لإعادة السلام والأمن" . وبعبارة أخرى، فإن قرار مجلس الأمن كهيئة تمثل المجتمع الدولي، يحل هنا محل إرادة الدولة التي تمارس السيادة على الأرض. ولم يعد من الضروري معرفة ما إذا كانت هذه الدولة موافقة أم لا على وضع الإدارة الدولية، بما أن إرادة مجلس الأمن في تحويل الوضع القانوني ووضع المؤسسات للأرض المعنية حاسمة، لإضفاء الصبغة الشرعية على إرساء النظام الجديد. وبمجرد إدراك أن القانون المتعلق بالاحتلال لا يطبق على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية، لأن الحق في شن الحرب لا يجب أن يؤثر في تطبيق قانون 70 يعترض بعض المؤلفين الحرب، وهذا يعني أن قرارا يصدره مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا يمكن أن يقف حائلاً دون تطبيق جزء كبير من القانون الدولي الإنساني. فالقرار الذي يمنع تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال من الناحية القانونية، ليس هو الذي يسمح باللجوء إلى القوة، ولكنه القرار الذي يتم بموجبه وضع الإدارة الانتقالية. وعلى سبيل المثال، صدر القرار 1244 في حالة كوسوفا بعد انقضاء فترة العمليات العدائية بالمعنى الصحيح. فهو لا ينبع من الحق في شن الحرب، ولكنه يضع حجر الأساس للإدارة الدولية. 



ومن جهة أخرى، وباعتماد هذا القرار، لم يفرض مجلس الأمن نظاما قانونيا استثنائيا في ظل وضع يقتضي تطبيق قانون احتلال الأراضي، ولكنه أوجد وضعا لا يتناسب والمميزات الخاصة به مع شروط تطبيق مجموعة القوانين المعيارية. العلاقة بين نظام الإدارات المدنية الانتقالية الدولية والقانون المتعلق بالاحتلال العسكري في الوقت الذي يعد فيه نظام الإدارات المدنية الانتقالية الدولية نظاما من نوع خاص، فهو مع ذلك امتداد للقانون المتعلق بالاحتلال، بل يعد مواءمة له. وفي الواقع يتسم هذا الأخير باحتوائه . ففي حين تتعلق بعض هذه 71 على "نسبة قليلة من القواعد التي تتعلق بالنظام الإنساني العام" القواعد بحماية الضحايا، تعرف القواعد الأخرى صلاحيات السلطة المحتلة. إن القواعد من النوع الأول وبسبب هدفها الذي هو حماية الإنسان، تبدو قريبة من"النظام الإنساني العام " ولهذا السبب تستحق الحفاظ عليها بما في ذلك خارج الإطار الصارم لتطبيق القانون المتعلق بالاحتلال. ويجب إذن أن ُتفرض على سلطات الإدارات الانتقالية. وفي المقابل، نجد أن النوع الثاني من القواعد ضروري بدرجة أقل، حيث إنها تعزز مصالح المحتل الخاصة وتبتعد بالتالي عن متطلبات النظام العام. إن عملية نقلها لكي تطبق على عمليات تقودها منظمات دولية ليست بالضرورة ملائمة. ويفسر هذا التفرع أسباب إمكانية استبدال القانون المتعلق بالاحتلال، بموجب قاعدة القانون الخاص، بنظام خاص، سواء عن طريق إبرام اتفاق بين 72 الأمم المتحدة وصاحب السيادة، أو استنادا إلى تفويض يمنحه مجلس الأمن . وفي الواقع، من الممكن أن تؤدي عملية دولية في المرحلة الأولى إلى احتلالٍ، وهو ما يمكن أن يبرر تطبيق القواعد الملائمة المنصوص عليها في لائحة لاهاي لسنة 1907 واتفاقية جنيف الرابعة ثم في المرحلة الثانية إلى وضع إدارة مدنية انتقالية، بموجب قرار لاحق لمجلس الأمن. وفي هذه الحالة، ينتهي الاحتلال ليس بسبب انسحاب القوات الأجنبية ولا حتى بسبب موافقة السلطات صاحبة الأراضي المحتلة ولكن بموجب فعل قانوني لمجلس الأمن. 73 كان من الممكن أن تكون هذه الحال عند التدخل الذي وقع في تيمور الشرقية. سمح مجلس الأمن في 15 سبتمبر/أيلول 1999 بنشر قوة متعددة الجنسيات، القوة الدولية في تيمور أسترالية مكلفة "باستعادة السلام والأمن في تيمور الشرقية، وحماية 74 الشرقية تحت قيادة ومساعدة بعثة الأمم المتحدة هناك في تنفيذ مهامها،[.....]، وتسهيل عمليات المساعدة 75 . ولم يطبق القانون المتعلق بالاحتلال مباشرة في هذه الحالة نظرا لأن أستراليا 76 الإنسانية" اعتبرت أن إندونيسيا قد أعطت موافقتها على هذه العملية. غير أنه من الجائز أن نتساءل في هذه الحالة عما تعنيه موافقة قوة، لم تعترف أبدًا الأمم المتحدة ولا غالبية الدول بسيادتها على . وعلى الرغم من موقفها، وافقت القوات الأسترالية على تشبيه الوضع بحالة 77 تيمور الشرقية . ولم يقرر 78" الاحتلال الفعلي"، وقامت بتطبيق القواعد ذات الصلة باعتبارها مبادئ توجيهية مجلس الأمن وضع إدارة انتقالية دولية مجلس إلا في وقت لاحق، وتحديدًا في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1999 ،حيث حل جناحها العسكري تدريجيا محل " القوة الدولية في وقد حول هذا القرار، كما نعلم، وضع تيمور الشرقية وبدأ عهد نظام جديد 79 تيمور الشرقية" أدى إلى استقلال الإقليم. وفي حالة كوسوفا، تم نشر القوات متعددة الجنسيات ووضع الإدارة الانتقالية بطريقة متزامنة، فلم تكن هناك أية إمكانية لتطبيق قانوني أو فعلي للقانون المتعلق بالاحتلال. وقد تزامن صدور قرار مجلس الأمن رقم 1244 الذي تم بموجبه إنشاء بعثة الأمم المتحدة في كوسوفا، والاعتراف رسميا بوجود "قوات كوسوفا" مع دخول تلك القوات أراضي كوسوفا. التطبيق الواقعي للقانون المتعلق بالاحتلال العسكري على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية مبدأ التطبيق الواقعي للقانون المتعلق بالاحتلال العسكري إذا كان من الصعب أن نركن إلى أن القانون المتعلق بالاحتلال يطبق على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية من الناحية القانونية، تظل على الأقل هناك إمكانية تقديمه لحلول ملائمة لحاجات المؤسسات المعنية خاصة خلال الشهور الأولى من إرساء النظام الجديد. وفي إطار ، أو استخدامه 80 هذا الهدف، يوصي بعض المؤلفين بتطبيق هذا النص القانوني "فعليا" . إن تطبيق القواعد المتعلقة بالاحتلال لن 82 أو أيضا "بصفة مكملة" 81" كمصدر للحلول العملية" يتم من الناحية الشكلية ولكن بالقياس، وبالتحديد بمقتضى القول المأثور "عندما يتحد السبب، يتحد القانون" . وهكذا قد تقدم هذه القواعد إطارا قانونيا ملائما للحفاظ على النظام والحياة العامين وتتمتع بميزة كونها مقبولة مسبًقا من جميع دول العالم، بمعزل عن مسألة شرعية وجود القوات الأجنبية على أراضيها. علاوة على ذلك، ستكون معروفة مسبقًا من القوات 83 المسلحة ورجال القانون التابعين لها، مما يسهل عملية التطبيق . غير أن هذا الحل لم يتم أبدا إقراره رسميا في السياق المتعلق بالإدارات الانتقالية الدولية. وفي المقابل أخذت به بعض الحكومات خلال العمليات الدولية في بعض المناسبات النادرة.


وكما كان على سبيل المثال وضع أستراليا-كما ذكرنا آنفا- عندما نشرت قواتها العسكرية في الصومال، ضمن "قوة التدخل الموحدة" وفي تيمور الشرقية في إطار "القوة الدولية في تيمور الشرقية". إن التطبيق الفعلي للقانون المتعلق بالاحتلال على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية، يجب أن ينال كل التشجيع. غير أن هذا التطبيق يظل قاصرا، لأنه يتوقف على مدى رغبة الوحدات المنتشرة في الميدان في التطبيق، والتي قد تتخلى عن تطبيق القواعد المعنية، أو تقرر تطبيق الأجزاء التي تناسبها منها فقط. وعلاوة على ذلك، قد تقوم الوحدات المختلفة التي تنفذ نفس العملية باتخاذ مواقف متباينة إزاء هذه المسألة. وفي جميع هذه الحالات، يفقد القانون بعضا من قابلية التوقع الخاصة به وهو ما يؤدي إلى انعدام الأمن الذي يكفله القانون بالنسبة للمستفيدين منه. من المستحب إذًا أن يحدد القانون المطبق على الإدارات الدولية منذ بداية العمليات بطريقة موحدة. ولتحقيق هذا الهدف، يتعين على مجلس الأمن، عن طريق اعتماده لقرار له يقضي بإنشاء نظام انتقالي، أن يفرض بنفسه تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال، مع فتح المجال أمام مواءمة هذا النظام بما يتفق وتطور الوضع. وبالتالي يقرر أن يكون هذا القانون إجباريا بصفة مؤقتة، أي مادامت السلطات الانتقالية لم تضع قانونًا يعدل بعض الجوانب. وقد يلعب القانون المتعلق بالاحتلال- هكذا- دورا حاسما في بداية العملية، أي في اللحظة التي يكون له فيها أكبر قدر من النفع، ثم قد يستبدل تدريجيا وعلى نحو متعاقب كلما تطورت نشاطات المؤسسات الجديدة. قد يكون هذا بمثابة تشريع طارئ قابل للتطبيق فورا، إلى أن يتم وضع قوانين تنظم بعض المجالات، على سبيل المثال سير العدالة أو نظام الملكية، التي لا يمكن َسنّها بين عشية وضحاها، كما أثبتت ذلك تجربة كوسوفا. وبذلك نكون قد استفدنا من خلال قابلية التوقع، مع الاحتفاظ ببعض مرونة القانون. وبهذا المعنى، فإن القانون المتعلق بالاحتلال قد يصبح ملزما ومكملاً في آن واحد. فحوى القواعد إن تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية، سواء كان على أساس الاختيار الحر للدول المعنية أو بقرار من مجلس الأمن، يتطلب تقييم مدى جدوى كل إن القانون 84 قاعدة من القواعد المعنية بالنسبة للطريقة التي تعمل بها المنظمات الدولية.

المتعلق بالاحتلال كما هي الحال بالنسبة لقانون النزاعات المسلحة، وضع في الواقع من أجل سن قواعد للدول. وقد يظهر عندئذ عدم ملاءمة بعض هذه القواعد للهيكل الخاص بالمنظمات الدولية. وفي هذا الصدد، فإن قواعد الحماية يمكن أن تنقل مباشرة بما أن وضع الأشخاص المعنيين لا يتغير سواء كانوا تحت سلطة دولة أو سلطة منظمة دولية. والأمر يتعلق خاصة بالقواعد التي وردت في الباب الثاني من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والتي تتعلق بموضوع "الحماية العامة للسكان من بعض عواقب الحرب". ويضاف إلى ذلك القسم الأول والثالث من الباب الثالث الذي يقترح قواعد حماية الأشخاص الموجودين في أراضي أطراف النزاع أو الأراضي المحتلة. عدد من هذه القواعد كتلك التي تتعلق، على سبيل المثال، بالشرف وحقوق الأسرة، ومنع العنف الجسدي وأيضًا منع الإبعاد الجبري أو الأشغال الشاقة، تكون في الواقع مطبقة بدون تكييف في حالة العمليات التي تقودها المنظمات الدولية. وأخيراً تتجمع غالبية القواعد في القسم الرابع من الباب الثالث الذي يتناول النظام القانوني المتعلق بالمعتقلين المدنيين الذين يتواجدون في نفس الوضع. وفي المقابل، يبدو أن بعض الأحكام الأخرى من الاتفاقية الرابعة لا تتواءم بالشكل الكافي مع مميزات المنظمات الدولية. وهو ما ينطبق كذلك على القسم الثاني من الباب الثالث المتعلق بالأجانب في أراضي دولة طرف في النزاع، بما أن المنظمات الدولية لا تملك أراضي خاصة . وفيما يخص حماية الأفراد، فإن القواعد المتعلقة بالاحتلال (المادة 47 وما يليها) التي 85 بها تبدو، بالنظر إلى ذلك، الأكثر جدوى بما أن الإدارات الدولية عندما تنتشر على الأراضي تجد نفسها غالبا في وضع مماثل لوضع المحتل. وفيما يتعلق بالقسم الثالث من لائحة لاهاي لسنة 1907 يمكن أن ننظر إلى القواعد الإنسانية حصريا والواردة فيها قابلة للتطبيق مباشرة على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية. وهي التي تحظر، على سبيل المثال، إجبار سكان الأراضي المحتلة على الإدلاء بمعلومات أو أداء اليمين القانونية ويحظر النهب أو فرض عقوبات جماعية، وهي التي تنص على احترام . 




وهناك قواعد أخرى في المقابل تثير مشكلة. فالمواد 48 86 الشرف والأسرة والملكية الخاصة و49 و51 المتعلقة بجباية الضرائب والرسوم تبدو في الواقع صعبة التطبيق بدون تفويض خاص من مجلس الأمن في هذا الخصوص. والأمر كذلك بالنسبة للمادتين 52و53 المتعلقتين على التوالي بالمصادرة والحجز على الممتلكات العامة حيث يبدو من الصعب تطبيقهما في سياق عملية دولية 87 . وأخيرا يمكن تطبيق أحكام اتفاقية لاهاي لسنة 1954 كاملة التي تتعلق بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح على الإدارات المدنية الانتقالية الدولية. وسيكون من الضروري فقط إدخال بعض التعديلات على الأحكام المعنية دون المساس بروح القانون الخاص. والأمر كذلك بالنسبة للمادة الرابعة التي تفرض على الأطراف المتعاقدة احترام الممتلكات الثقافية الموجودة على أراضيها. وبما أن المنظمات الدولية ليس لها أراض خاصة فيتعين هنا إدراك أن هذه المادة قد تطبق على الإقليم الذي يقع تحت سيطرة الإدارة الدولية. وأخيرا فالنظام الذي وضع يجب أن يرتبط أيضا بالقواعد الملائمة الخاصة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. وفي الواقع يدعم تطبيق هذا القانون وقانون النزاعات المسلحة كل منهما . وهذا ما يقره الفرعان القانونيان بطريقة واضحة. وفي الواقع، تؤكد الفقرة الخامسة 88 الآخر من المادة 158 ،من اتفاقية جنيف الرابعة أن الأطراف المتعاقدة تظل مرتبطة بـ " القوانين الإنسانية " بصرف النظر عن التزاماتها التعاهدية. إلا أنه يجب أن ندرك أن هذه "القوانين" . ويفرض أيضا العهد الدولي 89 تشمل على الأقل القواعد العرفية النابعة من حقوق الإنسان الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الدول الالتزام باحترام القوانين والاتفاقيات واللوائح أو . وفي حالة النزاع المسلح أو الاحتلال، 90 الأعراف التي من شأنها تقديم حماية أفضل للأفراد يجب البحث عن هذه القواعد في القانون الدولي للنزاعات المسلحة. ويكمل إذًا هذان الفرعان من القانون بعضهما البعض. وبما أنهما قد سّنا لكي يطبقا في ظل ظروف متباينة، فالقواعد الخاصة بكل منهما تمتاز بمضامين قانونية محددة. وبالإضافة إلى هذا، يسعى كل منهما إلى تعزيز الآخر، حيث يفسران بعضهما البعض. وهكذا يبرز بشكل كامل معنى تحريم المعاملة اللاإنسانية التي تنص عليها المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان ، فيما يرتبط بمعاملة الأفراد في الأراضي المحتلة أو في أماكن الاعتقال، في ضوء أحكام مفصلة تنص عليها اتفاقية جنيف الرابعة في هذا الشأن. وعلى العكس من ذلك، تصل أبعاد مسألة فرض احترام الضمانات القضائية المنصوص عليها في المادة 71 وما يليها من هذه الاتفاقية نفسها إلى مداها، عندما نطور فحواها استنادا إلى النصوص والممارسات العملية التي تتلاءم مع حقوق الإنسان. الخـاتمــــــــة أظهر التحليل السابق أن إمكانيات تطبيق القانون المتعلق بالاحتلال على نشاطات المنظمات الدولية من الناحية الشكلية يعد أمرا محدودا لأقصى درجة. وبما أن هذا النظام القضائي يحكمه مبدأ "الوضع الإقليمي والتشريعي الراهن" فمن الصعب تطبيقه بما يتماشى وضروريات معظم العمليات التي تمارس من خلالها منظمة دولية سلطة فعلية على أرض ما. وفي الواقع، غالبا ما تنتشر العمليات الدولية ليس فقط بهدف مصاحبة تغيير المؤسسات بل أيضا للسعي إلى إحداث هذا التغيير. وإذا كان القانون المتعلق بالاحتلال يعود بالنفع، في بادئ الأمر، على مسألة ضمان حماية المدنيين، فإنه قد تتكشف عدم ملاءمته على المدى البعيد.


 وفي هذا الصدد، يظهر وضع الإدارات المدنية الانتقالية الدولية أن إعداد قانون قابل للتطور يعد ضروريا وممكًنا. وقد يتعين على مجلس الأمن، بموجب السلطات الممنوحة له بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن يفرض القانون المتعلق بالاحتلال كإطار قانوني يطبق في بداية هذه العمليات ويسمح بمواءمة هذا القانون تدريجيا عن طريق اللوائح. إن حماية الأفراد تحت مظلة الإدارة الدولية قد تتطور لكي تغدو نظامًا أكثر ملاءمة لحالات السلم، أي نظام القانون الدولي لحقوق الإنسان. وفيما وراء القانون المطبق على الإدارات الانتقالية التي تقودها المنظمات الدولية، تثير هذه الأفكار مسألة الإطار القانوني الذي يجب أن يفرض عندما تكون هناك ائتلافات دولية تحدث تغييرات في المؤسسات خارج نطاق أراضيها. وبعيدا عن شرعية تلك العمليات التي تقتضي إجراء نوع آخر من التحليل، فهناك حاجة ماسة إلى أن نتساءل عن مدى ملاءمة القانون المتعلق بالاحتلال وحدوده في مثل هذه الأوضاع. إن الأفكار التي نقترحها في هذا المقال قد تقدم بعض التمهيد لفتح باب نقاش يتعين البدء فيه.


للاطلاع علي  مسألة انتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع البلدان

https://draft.blogger.com/blog/post/edit/preview/6276959887002614751/809866185843568810

إرسال تعليق

0 تعليقات