(في حالة قيام سلطات الأراضي بمنح قطعة أرض لجهتين مختلفتين في أوقات متفاوتة دون علم التخصيص الأول ثم تقوم الجهة الثانية بتسجيلها فإن ذلك لا يمثل تزاحماً للمشترين إنما يمثل خطأ في تخصيص أرض خصصت من قبل لجهة أخري فيكون التخصيص الثاني باطلاً)
المحكمة العليا
القضاة :
سعادة السيد / محمد محمود أبو قصيصة قاضي المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد / حسن عوض أبو القاسم قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد / جون أونقي كاسيبا قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد / الطاهر أحمد الطاهر قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد / أحمد محمد بشير قاضي المحكمة العليا عضواًَ
الأطراف :
معصرة زيوت التيتل الطاعن
// ضد //
شركة مروي للحلويات مطعون ضدها
النمرة : م ع/ط م/144/1996م
مراجعة /236/1996م
المبادئ:
قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1996م - معالجة خطأ السلطات الحكومية وتخصيص أراضي استثمارية - المادة 3 من قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1996م
عند تزاحم المشترين يصبح الحق من نصيب من قام بالتسجيل أولاً إلا أنه في حالة قيام سلطات الأراضي بمنح قطعة أرض لجهتين مختلفتين في أوقات متفاوتة دون علم التخصيص الأول ثم تقوم الجهة الثانية بتسجيلها فإن ذلك لا يمثل تزاحماً للمشترين إنما يمثل خطأ في تخصيص أرض خصصت من قبل لجهة أخري فيكون التخصيص الثاني باطلاً ومن ثم يبطل التسجيل الذي بني عليه لأن ما بني علي باطل فهو باطل
الحكم:
في الدعوى رقم1080/1993م بمحكمة الخرطوم بحري الجزئية طالبت شركة مروي للحلويات المحدودة بإزالة التعدي علي القطعة رقم 45 مربع 7 شرق الصناعات التي منحتها إياها الدولة وقد سجلت باسمها في سنة 1987م وتقول المدعية بأنها عند إعدادها لتشييد المباني وجدت أن المدعي عليها معصرة زيوت التيتل قد تعدت علي القطعة بتشييد مبان فيها وطالبت المدعية بالتعويض من المدعي عليها
دفعت المدعي عليها بأنها حصلت علي تصديق بهذه القطعة منذ سنة 1977م وشيدت فيها المباني بعد سداد قيمة الأرض وأقامت المدعي عليها دعوى فرعية تطالب فيها بتعديل سجل القطعة باسمها وتقول المدعي عليها أنها شيدت في القطعة مصنعاً لإنتاج الزيوت والصابون بتقنية تكنولوجية عالية واستجلبت المعدات من الولايات المتحدة وإيطاليا وتقول المدعي عليها إن المدعية قامت بتسجيل الأرض باسمها دون وجه حق رغم وجود أمر سابق يقضي بتخصيص الأرض للمدعي عليها
وجدت المحكمة الجزئية أن المدعي عليها شيدت المباني منذ سنة 1977 وهو تاريخ يسبق التاريخ الذي منحت فيه الأرض للمدعية ووجدت أن المدعي عليها حصلت علي التصديق بالقطعة في سنة 1977 بينما منحت ذات القطعة للمدعية في سنة 1987 ووصلت إلي أن سوء النية لم يكن متوفراً حيث شيدت المدعي عليها مبانيها وبتكلفة باهظة قبل أن تمنح الأرض للمدعية
ورأت المحكمة الجزئية أنه لا يمكنها أن تأمر بإزالة المصنع بعد ما يقارب العشرين عاماً من قيامه لمنشئآته الضخمة وكينونته الواضحة ورأت أن العلاج يمكن في أن تعطي الجهة المانحة قطعة أخري للمدعية وعلي ذلك قضت المحكمة الجزئية بشطب دعوى المدعية وبتسجيل القطعة باسم المدعي عليها حسبما طلبت في الدعوى الفرعية
في الاستئناف رقم 1589/95 رأت الأغلبية في محكمة الاستئناف أن للمدعية عقداً مع حكومة السودان وقد سجلت الأرض باسمها ووصفت حيازة المدعي عليها بالعشوائية لأنه لم يسندها عقد ولا تسجيل
أما الرأي المخالف فيري وجود حقوق علي القطعة نفسها من عدة جهات الأمر الذي يخرج الدعوى من اختصاص المحكمة المدنية ويدخلها في اختصاص محاكم الطعون الإدارية
وقررت محكمة الاستئناف بالأغلبية إلغاء حكم المحكمة الجزئية وأصدرت حكمها بإزالة التعدي علي الأرض محل النزاع وتسليمها للمدعية ولم تحكم بشيء حول التعويض الأمر الذي حدا بالمدعية لأن ترفع الطعن رقم 144/1996م للمطالبة بالتعويض
وتقدمت المدعي عليها بالطعن رقم 185/86 في حكم محكمة الاستئناف ويمكن إيجاز أسباب الطعن الطويلة في الآتي :-
1 - أن الأرض خصصت للمدعي عليها وأنها سددت قيمتها في سنة 1977م
2 - إن الأرض خصصت للمدعية بعد عشر سنوات في سنة 1978م وكانت المدعي عليها قد شيدت فيها واحداً من أكبر مصانع الزيوت والصابون في السودان
3 - إن شاهد الدفاع الأول أفاد بأن الهيئة العامة للاستثمار ناقشت موضوع النزاع في اجتماعها برئاسة مدير إدارة الهيئة وفريق من المهندسين ومفتشي الأراضي وتوصلوا إلي أن هنالك خطأ من الأراضي بمنح الأرض مرتين وجاء القرار بأن تمنح حلويات مروي قطعة أرض مماثلة
4 - أن الرأي المخالف في محكمة الاستئناف هو الصحيح
ضمت المحكمة العليا الطعنين وأصدرت فيهما حكماً واحداً ورأت المحكمة العليا أن حيازة المدعية هي الأفضل لأنها تملك الوثائق والمستندات الثبوتية ووصفت حيازة المدعي عليها بأنها لا تخلو من عشوائية وقررت تأييد محكمة الاستئناف في قرار الإزالة وأمرت بإعادة الأوراق إلى محكمة أول درجة للنظر في التعويض من واقع البينات علي ضوء حكم المحكمة العليا
تقدمت المدعي عليها بهذا الطلب لمراجعة حكم المحكمة العليا وهو أيضاً طلب طويل كثير التكرار ولكن يمكن إيجازه في الآتي :
1- أن الأرض خصصت للمدعي عليها وسددت قيمتها في سنة 1977م
2 - أن المدعي عليها شيدت مصنعاً للزيوت والصابون بتقنية عالية وبدأ إنتاجه للاستهلاك المحلي والصادر في عام 1985م
3 - لخطأ في إجراءات منافع الأرض تم تخصيص نفس القطعة للمدعية
4 - عند تسليم الأرض اتضح أنها ممنوحة للمدعي عليها وشيد عليها مصنع كامل
5 - أن المدعي عليها هي الحائز الفعلي
6 - كلا الطرفين يحمل مستندات تشير إلى حق الانتفاع في الأرض ولا يمكن تفضيل مستندات أحدهما علي الآخر
7 - إن حيازة المدعي عليها بحسن نية فلا تنطبق نصوص قانون المعاملات المدنية بالنسبة للمباني
ويعتذر محامي المدعي عليها للإطالة غير المقصودة التي اقتضتها طبيعة النزاع
ثم قدم محامي المدعي عليها أسباباً إضافية للمراجعة ويقول فيها أن جوهر النزاع هو ازدواجية التخصيص وأنه كان يتعين ضم سلطات الاستثمار أو الصناعة كمدعي عليه لأنها هي الجهة المسئولة والمانحة للتصديقات
أعلنت المدعية بأسباب المراجعة وردت عليها بالآتي :
1 - إن حيازة المدعي عليها غير قانونية لأنها حتى الآن لم تبرم عقد منفعة مع الدولة صاحبة الرقبة
2 - لم تتخذ المدعي عليها الخطوات اللازمة لتسجيل العقار باسمها
3 - إن حيازة المدعية قد باركتها الدولة وصدقت عليها بموجب عقد المنفعة فحيازة المدعية هي الحيازة الأفضل
4 - أن حيازة المدعي عليها لا تستجيب بشروط قانون التصرف في الأراضي لسنة1994 ( يقصد قانون التخطيط العمراني ) ولا قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925
5 - أن كل ما تحمله المدعي عليها هو تخصيص مبدئي دون تحديد لقطعة أرض معينة
ومن هذه الأوراق المتبادلة ومن محضر الدعوى والمستندات المقدمة فيها فقد ثبتت الوقائع التالية :
صدق للمدعي عليها معصرة زيوت التيتل بالقطعة رقم 45 مربع 7 شرق الصناعات في عام 1977م وقد دفعت قيمة الأرض ( راجع مستند الدفاع رقم 2 ) ولم تهتم المدعي عليها بمتابعة إكمال الإجراءات لتسجيل القطعة ولكنها شرعت في تشييد المباني وأقامت مصنعاً ضخماً لإنتاج الزيوت والصابون وقد عمل في الإنتاج محلياً وللتصدير وفي سنة 1987 بعد عشر سنوات صدق للمدعية بأرض في ذات الموقع وبادرت المدعية بالتسجيل
وبينما رأت المحكمة الجزئية أن الأمر يقبل المعالجة عن طريق إعطاء قطعة أرض بديلة للمدعية اعتمدت محكمة الاستئناف علي اكتمال مستندات المدعية وقضت لها بإزالة منشآت المدعي عليها
وأيدت المحكمة العليا محكمة الاستئناف استنادا علي أن المدعية هي صاحبة الحق المسجل حيث أن بيدها عقداً مبرماً مع الحكومة ولم يكن للمدعي عليها عقد مبرم مع الحكومة ولم يكن لها حق مسجل
ولكن المستندات تثبت أن المدعي عليها حصلت وفي سنة 1977م علي تصديق بالأرض وأنها سددت قيمتها - من ذلك يتضح أن إعطاء نفس القطعة للمدعية إنما كان نتيجة لخطأ ديواني ونري أن المدعي عليها قد أصابت عندما وصفت ذلك بأنه ازدواجية في التخصيص
وتعتمد المدعية علي حقها المسجل وربما كان ذلك لوجود قاعدة الأسبقية التي تعطي الأفضلية لصاحب الحق المسجل عند تزاحم المشترين ولكن وقائع هذه الدعوى لا تمثل تزاحماً لمشترين وإنما هي تمثل خطأ في تخصيص أرض خصصت من قبل لشخص آخر وقد قررت سلطات الاستثمار فيما يفيد شاهد الدفاع في صفحة 103 من محضر الدعوى أنه يمكن تصحيح الخطأ بتعويض المدعية في موضع آخر
ونري أنه لا يمكن القول بأن المدعي عليها متعدية بينما هي تحمل تصديقاً منذ سنة 1977م وإنما نري وجود خطأ ممكن الحدوث في منح الأراضي ويعالج عن طريق السلطات المانحة وإن كنا نعتمد علي سجل الأراضي اعتماداً يكاد يكون كلياً في إثبات الحقوق العقارية إلا أننا لا ننسي أن الخطأ وارد وعند ذلك يمكن تصحيح السجلات في الحالات المواتية والثابت أن تسجيل منفعة المدعية كان أثر خطأ بالنسبة لأرض خصصت في وقت سابق للمدعي عليها ويكون التخصيص الثاني للمدعية باطلاً ويبطل التسجيل الذي بني عليه لأن ما بني علي باطل فهو باطل
وإذ نفينا صفة التعدي عن المدعي عليها ورأينا الخطأ في التخصيص اللاحق الذي كان للمدعية فإنا نري أن حكم المحكمة الجزئية بشطب الدعوى الأصلية هو الحكم الصحيح
لقد احتدم النزاع طوال الوقت حول التخصيص ورغماً عن ذلك لم تضم الدولة للدعوى وهي التي خصصت الأرض أول الأمر للمدعي عليها ثم مرة ثانية للمدعية عن طريق الخطأ في ظل التخصيص السابق وقد كان في وسع المدعية أن تقاضي الدولة بناء علي العقد إذ تعاقدت معها علي شيء سبق تخصصه أو عن طريق التفاوض معها ثم اللجوء إلى القضاء الإداري إذا لم تجد حلاً ولكن المدعية أثرت أن تقاضي المدعي عليها التي لم تدخل الأرض إلا عن طريق تصديق من المالكة وهي الدولة فكأنما كانت المدعية تشاهد الفيل وتطعن ظله
علي أن لنا مأخذاً علي حكم المحكمة الجزئية بالنسبة للدعوى الفرعية فالدولة هي المالكة ولم تكن طرفاً في الدعوى وإذا قررت المحكمة الجزئية تعديل السجل فبأي شروط تسجل الأرض ولأية مدة وبأي عقد ؟ ذلك لأن المدعي عليها لم تحصل علي عقد مع الدولة حتى الآن وإنما المؤمل أن يبرم العقد بعد ذلك طالما أن المدعي عليها دخلت الأرض أول الأمر بتصديق من الحكومة وقد شيدت المدعي عليها مصنعها اعتمادا علي ذلك
ثم إنه أيضا إذا تقرر تعديل السجل لاسم المدعي عليها فأين تذهب المدعية ؟ فهي طرف قد تعاقد مع الدولة ولابد أن يكون لها علاج إذا واجه العقد عقبات وقد واجه بالفعل عقبة إذ اتضح أن الأرض التي منحت لها كانت مخصصة منذ وقت مضي للمدعي عليها
وإذا شطبت الدعوى الفرعية ووقفنا عند هذا الحد فنكون قد تركنا الوضع كما هو عليه وهو أن الأرض تحت يد المدعي عليها وبها مصنع كبير في حين أنها مسجلة باسم المدعية بموجب عقد رأينا أنه لا بد خاطئ
ونري أن الوضع الأسلم هو شطب الدعويين الأصلية والفرعية علي أن ترسل صورة من هذا الحكم للسيد وزير الصناعة الذي أعطي التصديق الأسبق ليعالج وضع الطرفين وفق نصوص قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1996م إذ أن هذا القانون يسمح بمعالجة الماضي والحاضر بنص المادة 2 منه ونري بناء علي ذلك إلغاء حكمي محكمة الاستئناف والمحكمة العليا وعلي المدعية تحمل الرسوم في المراحل كافة حيث أخطأت في اتجاهها نحو المحكمة المدنية بدلاً من سلطات الاستثمار تحت قانون تشجيع الاستثمار
القاضي : محمد محمود أبو قصيصة
القاضي : حسين عوض أبو القاسم القاضي : جون أونقي كاسيبا
القاضي : الطاهر أحمد الطاهر القاضي : أحمد محمد بشير
0 تعليقات