• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص ١٩٨]:
«فَإِذَا تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فِيهِمَا نُسِخَ المُتَقَدِّمُ بالمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ، نُظِرَ فِي تَرْجيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ بوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجيحِ… فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ فِي أَحَدِهِمَا تُرِكَ النَّظَرُ فِيهِمَا، وَعُدِلَ إِلَى سَائِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ».
[م] ليس المراد به التعارض الحقيقي الذي هو التضادُّ التامُّ بين حُجَّتين متساويتين دلالةً وعددًا وثبوتًا ومتّحدتين محلًّا وزمانًا؛ لأنَّ الوحي منزَّه عن التعارض الحقيقي لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [سورة النساء: ٨٢]، ولقوله تعالى مخبرًا عن نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [سورة النجم: ٣-٤]؛ ولأنَّ الله تعالى أمر بالرجوع ـ عند الاختلاف ـ إلى الكتاب والسُّنَّة ليرتفع الخلاف في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، فدلَّ ذلك على عدم وجود التعارض الحقيقي، وإنما المراد به التعارض الظاهري الذي هو وَهْمٌ يقوم في ذهن الناظر ولا وجود له في الواقع، ويزول هذا الوهم بمجرّد إظهار التوفيق بين الدليلين وحصول الائتلاف بينهما من خلال الجمع، أو ببيان النسخ، أو إبراز الترجيح.
وأسباب التعارض الظاهري(١) تعود في مجملها إمَّا إلى قصور في إدراك الناظر إلى اختلاف الرواة من حيث الحفظ أو الأداء، وإمّا إلى دلالات الألفاظ من حيث العموم والخصوص، وإمَّا إلى الجهل بالناسخ والمنسوخ، أو الجهل بتغاير الأحوال.
وللعلماء مسالكُ في دفع التعارض الظاهري، واختار المصنِّف مذهب جمهور العلماء ـ في الجملة ـ الذي رتَّب مسالكه على الوجه التالي:
أوّلًا: الجمع بين الدليلين المتعارضين وَفق شروط الجمع وهي:
أن تثبت الحجِّية لكلِّ واحد من المتعارضين وذلك بصحّة سنده ومتنه.
وأن يتساوى الدليلان المتعارضان في درجة واحدة من حيث القوّة.
وأن يكون التأويل صحيحًا حتى يوافق الدليل الآخر.
وأن يكون الموفِّق أهلًا لذلك.
وأن لا يؤدِّي الجمعُ بين المتعارضين إلى إبطال نصٍّ شرعي، أو الاصطدام معه، وإذا روعيت هذه الشروط أمكن الجمع، وله أوجه منها:
• الجمع بتخصيص العموم، مثاله: تخصيص عموم آية المواريث في قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]، بحديث: «القَاتِلُ لَا يَرِثُ»(٢)، وحديث: «إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ»(٣).
ومثاله ـ أيضًا ـ: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم تَرَكُ الوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»(٤)، وبين حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: «أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ، قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ»(٥)، فالحديث الأوَّلُ عامٌّ في عدمِ انتقاض الوضوء في كُلِّ ما مسَّته النار سواء لحم الإبل أم غيره، والثاني خاصٌّ في نقض الوضوء من لحوم الإبل، ومذهب أحمد وابنِ خُزيمة وابنِ حزمٍ(٦) وهو أحد قولي الشافعي الجمع بين الحديثين بالتخصيص، وهو قول عامَّة أصحاب الحديث(٧).
ومثال ثالث: قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «العَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارُ»(٨)، الذي يفيد أنَّ ما أتلفته البهيمة من حرث الغير وزرعه لا يضمنه صاحبها، ويعارضه حديث حرام بن محيصة عن أبيه أنَّ ناقة البراء بن عازب رضي الله عنه دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم، «فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عَلَى أَهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَعَلَى أَهْلِ المَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ»(٩)، فإنَّ الحديث يدلُّ على التفريق بين وقوع الإتلاف بالليل أم النهار، والجمهور يحملون العامَّ على الخاصِّ جمعًا بين الأدلة(١٠).
• الجمع بتقييد المطلق، مثاله: حمل آية تحريم الرضاع المطلقة في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣]، على التقييد بالمصَّة والمصَّتين في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالمَصَّتَانِ»(١١)، أو تقييد مطلق الآية بخمس رضعات في قول عائشة رضي الله عنها: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمِسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوَفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ»(١٢).
ومثاله ـ أيضًا ـ: حمل الإطلاق الوارد في حديث: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ»(١٣)، على تقييد الغنم بالسائمة(١٤)في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِي سَائِمَةِ الغَنَمِ الزَّكَاةُ»(١٥).
ومثال ثالث: حمل الإطلاق الوارد في حديث: «مَنْ ُيطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي»(١٦)، على تقييد الطاعة في المعروف في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(١٧).
• الجمع بحمل الوجوب على الندب، مثاله: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ غَسَّلَ المَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»(١٨)، الذي يدلُّ على وجوب الغسل على من غسَّل الميت، وحمله على الندب لوجود صارف عن الوجوب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَلْتُمُوهُ، إِنَّ مَيِّتَكُمْ المُؤْمِنَ طَاهِرٌ، وَلَيْسَ بِنَجِسٍ، فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ»(١٩).
• الجمع بحمل التحريم على الكراهة، مثاله: حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ»(٢٠)، فإنه يدلُّ على عدم جواز توضُّؤ الرجل أو اغتساله بفضل غسل المرأة، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ»(٢١)، فيجمع بين الحديثين بحمل النهي في حديث الحكم رضي الله عنه على الكراهة التنزيهية بالقرينة الصارفة إليها وهي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وبهذا الجمع بين الحديثين قال جمهور العلماء(٢٢).
ومثاله ـ أيضًا ـ حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ البَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ»(٢٣)، فهو يدلُّ على أنَّ أجرة الحجَّام حرام، وإجارته فاسدة، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ»(٢٤)، وقد حمل الجمهور التحريم في حديث رافع رضي الله عنه على الكراهة بالقرينة الصارفة إليها جمعًا بين الدليلين(٢٥)، والخبيث هنا بمعنى الدنيء، وإنما كره ذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للحُرِّ تنزيهًا لدناءة هذه الصناعة، وقد سمَّى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الثوم والبصل خبيثين(٢٦) مع إباحتهما.
• الجمع بحمل الحقيقة على المجاز، ومثاله: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَيْسَ عَلَى الخَائِنِ قَطْعٌ»(٢٧)، فهو يدلُّ على أنه لا تقطع يد جاحد العارية؛ لأنه خائن، ويعارضه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ المَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّصلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا» إلى أن قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ المَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا»(٢٨)، فهو يدلُّ على أنه تقطع يد جاحد العارية، وعامَّة أهل العلم يذهبون إلى أنَّ المستعير إذا جحد العارية لا تقطع يده(٢٩)، وحملوا حديث عائشة رضي الله عنها على المجاز، وذلك بحمل قولها: «كانت تستعير المتاع وتجحده» على أنَّ المراد به تعريف المرأة بالصفة التي اشتهرت بها، وهي جحدها للعارية، كما عرفتها بأنها: «مخزومية» ولم تقصد بذلك حقيقة أنَّ جحدها للعارية كان سببًا لقطع يدها، فسبب القطع هو السرقة لا جحدها للعارية وقد صرَّح الحديث باللفظ أنها «سرقت».
ومثاله ـ أيضًا ـ حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»(٣٠)، الذي يفيد ثبوت الشفعة للجار الذي يعارضه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «قَضَى النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِفَت الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ»(٣١)، فهو يدلُّ على أنَّ الشفعة مختصة بالشريك دون الجار. وقد عمل الجمهور بالجمع بين الدليلين بالحمل على المجاز(٣٢)، فيعمل بظاهر حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في أنَّ الشفعة للشريك فقط، وأمَّا حديث أبي رافع رضي الله عنه فإنَّ الجار فيه حقيقة في المجاور، مجاز في الشريك، إذ أنَّ كلَّ شيءٍ قارب شيئًا فهو جار له، وقد حمل اللفظ على المجاز لوجود قرينة، وهي أنَّ أبا رافع رضي الله عنه سمَّى ـ في حديثه ـ الخليط جارًا، وهو من أهل اللسان وأعرف بالمراد، وهي قرينة على إرادته بالجار الشريك الخليط.
• الجمع بالأخذ بالزيادة، ومثاله: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»(٣٣)، فهو يدلُّ على جواز اقتناء كلب الصيد والماشية، بينما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍِ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»(٣٤)، فهو يدلُّ على ما يدلُّ عليه الحديث السابق إلَّا أنه فيه زيادة كلب الزرع الذي لم يتعرض له الحديث السابق، وقد عمل العلماء بقبول الزيادة جمعًا بين الدليلين؛ لأنها زيادة حافظ غير منافية(٣٥)، وقد وافقها حديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»(٣٦).
• الجمع باختلاف الحال، مثاله: قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في شأن حضانة الغلام: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي»(٣٧)، فإنه يدلُّ على أنَّ الأمَّ أحقُّ بحضانة ابنها إذا أراد الأب انتزاعه منها، ويعارضه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم للغلام: «هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ»(٣٨)، فهو يدلُّ على أنه إذا تنازع الأب والأمُّ في غلام لهما، فإنَّ الواجب هو تخيير الغلام، فمن اختاره فهو أحقُّ به، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الجمع بين الحديثين باختلاف الحال، وذلك بحمل حال الغلام الذي لم يبلغ سنَّ التمييز، أو قبل استغنائه بنفسه على أنَّ الأم أحقّ به من غيرها ما لم تنكح، ويحمل الحديث الآخر فيما إذا بلغ سنَّ التمييز، واستغنى عن الحضانة فإنه يخير بين أبويه إذا تنازعا فيه، فمن اختار منهما فهو أولى به(٣٩).
• الجمع بجواز الأخذ بأحد الأمرين (أي: الجمع بالتخيير)، مثاله: حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَثِيرًا مَا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ»(٤٠)، ويعارضه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ»(٤١)، وقد دفع العلماء التعارض بجواز الأمرين، فتارةً ينصرف من الصلاة إلى جهة يساره، وتارة ينصرف إلى جهة يمينه، فأخبر كلّ واحد من الرواة بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، ولذلك يكون المصلي مخيّرًا بين الانصراف عن جهة اليمين أو جهة اليسار من غير كراهة(٤٢).
ثانيًا: النسخ عند تعذُّر الجمع، وذلك بالبحث في تاريخ صدور كلٍّ من النصَّين المتعارضين، فإن علم تاريخ صدورهما وأنَّ أحدهما متقدِّم والآخر متأخِّرٌ عمل بالمتأخِّر الناسخ وأهمل المتقدِّم المنسوخ، ولا يسعه العمل بالناسخ إلَّا عند توفُّر جملة من الشروط منها:
ـ أن يكون الناسخ خطابًا شرعيًّا.
ـ وأن يكون الناسخ مساويًا للمنسوخ في قُوَّة ثبوته ودلالته.
ـ وأن يكون الناسخ ورد متراخيًا عن المنسوخ وهذا لازم للرفع.
ـ وأن يكون المنسوخ حُكمًا شرعيًّا لا عقليًّا، ومؤبّدًا لا مؤقّتًا.
ـ وأن يوجد تعارض بين الناسخ والمنسوخ.
ومثل هذا النسخ إنما يثبت بالطرق الاحتمالية التي يمكن إجمالها في:
• تصريح الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالنسخ، مثل: قول ابن مسعود رضي الله عنه: كنَّا نسلم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيردُّ علينا السلام حتى قدمنا من أرض الحبشة فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قرب وما بعد فجلست حتى إذا قضى الصلاة قال: «إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ»(٤٣)، ومثله قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ بِالآخِرَةِ»(٤٤)، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم «نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ»(٤٥)، ومن ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَأْمُرُنَا بِالقِيَامِ فِي الجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ وَأَمَرَنَا بِالجُلُوسِ»(٤٦)، ولا خلاف بين العلماء في ثبوت النسخ بهذه الطريقة(٤٧).
• تصريح الصحابي بالناسخ، مثل: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم تَرْكُ الوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ»(٤٨)، فهو ناسخ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَوَضَّؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»(٤٩).
ومثاله: حديث أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: «إِنَّمَا المَاءُ مِنَ المَاءِ رُخْصَةٌ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالغُسْلِ»(٥٠)، وفي رواية: «ثُمَّ نَهَى عَنْهَا»(٥١)، والنسخ بنص الصحابي على الناسخ والمنسوخ صحيح، لكن الصورة المختلف فيها هي: أن يذكر الصحابي أنَّ الخبر منسوخ من غير أن يُعيِّن الناسخ، والراجح من الأقوال المختلفة قبول هذه الصورة من النسخ إذا كان هناك نصّ آخر يخالف النص الذي قال عنه الصحابي: إنه منسوخ؛ لأنَّ الظاهر أنَّ النصَّ المخالف له هو الناسخ، وغاية ما في قول الصحابي الإعلام بالمتقدِّم والمتأخِّر فيقبل قوله في ذلك(٥٢).
• معرفة التاريخ، فإذا تعذَّر الجمع بين الدليلين المتعارضين وعلم التاريخ، فإنَّ العلم به يوجب كون المتأخِّر ناسخًا والآخر منسوخًا.
ومثاله: ما رواه يعلى بن أمية رضي الله عنه: «أَنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءه رجلٌ مُتَضَمِّخٌ بطيب، فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جُبَّة بعدما تضمخ بطيب؟!.. فقال: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ»(٥٣)، ويعارضه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ»(٥٤)، وعنها رضي الله عنها قالت: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَهُوَ مُحْرِمٌ»(٥٥)، وعنها ـ أيضًا ـ قالت: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ (نوع من الطيب) المُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَلَا يَنْهَاهَا»(٥٦).
فالحديث الأول يدلُّ على أنه يحرم على المحرم استصحاب أثر الطيب السابق للإحرام أو بعده، بينما حديث عائشة رضي الله عنها يدلُّ على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام، والمسألة خلافية(٥٧)، وجماهير العلماء على القول بدفع التعارض بالنسخ بتقديم حديث عائشة باعتباره ناسخًا لحديث يعلى رضي الله عنه، وذلك لتأخُّر حديث عائشة رضي الله عنها عنه، إذ أنَّ قصة يعلى رضي الله عنه كانت بالجِعِرَّانَة(٥٨) في ذي القعدة سنة ثمان بلا خلاف، وحديث عائشة رضي الله عنها كان في حجَّة الوداع سنة عشر بلا خلاف، لذلك يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم باعتباره ناسخًا للأول.
• الإجماع على النسخ، مذهب جمهور العلماء أنَّ الإجماع لا ينسخ النص، فلا يكون الإجماع ناسخًا ولا منسوخًا، ولكنه يدلُّ على وجود الناسخ، وهو النص الذي استند إليه الإجماع وليس الإجماع ذاته(٥٩).
ومثاله: ما رواه معاوية رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ»(٦٠)، وقد ذكر الشافعي أنه لا خلاف بين أهل العلم في نسخ قتل شارب الخمر(٦١)، وقال الترمذي: «إنما كان هذا ـ يعني القتل ـ في أول الأمر ثمَّ نسخ بعد»، ثمَّ قال: «والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك في القديم والحديث»(٦٢)، والحديث الناسخ الذي استند إليه الإجماع ما رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ شَرِبَ الرَّابِعَةَ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ»(٦٣)(٦٤).
• تأخُّر إسلام الراوي، ذهب بعض العلماء إلى أنَّ حديث المتأخِّر إسلامًا ناسخ للمتقدِّم، عملًا بظاهر التأخير في الزمن، وخالف الجمهور الحكم، حيث يرون أنه لا يحكم بالنسخ لجواز أن يكون المتأخِّر إسلامًا سمعه في حال كفره، ثمّ رواه بعد إسلامه، أو يحتمل أنه سمعه ممَّن سبق بالإسلام فلا يعتبر متأخِّرًا، وهو الصحيح(٦٥). وكذلك يقال فيمن انقطعت صحبته لجواز أن يكون حديث من بقيت صحبته سابقًا لحديث من انقطعت صحبته(٦٦)، فالحاصل أنَّ تأخُّر إسلام الراوي لا يلزم تأخر روايته.
ومثاله: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»(٦٧)، فإنه يفيد أنَّ حدَّ الزاني المحصن الجلد ثمَّ الرجم، ويعارضه حديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «..عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرِأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا»(٦٨)، وفي حديث آخر لأبي هريرة أنَّ رجلًا اعترف بالزنى وشهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «أَبِكَ جُنُونٌ» قَالَ: «لَا»، قَالَ: «فَهَلْ أُحْصِنْتَ»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ»(٦٩)، فحديثا أبي هريرة رضي الله عنه يدلَّان على أنَّ حدَّ الزاني المحصن الرجم فقط، وهما ناسخان لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ لأنَّ حديث أبي هريرة رضي الله عنه هو آخر الأمرين بالنظر إلى تأخر إسلامه، وذكر الرجم ولم يتعرّض للجلد، فكان فعله ناسخًا لقوله، اكتفاءً بالرجم لعدم الجمع بين عقوبتين لجريمة واحدة، من باب تخفيف الحدّ، ويقوّي هذا الحكم الاقتصار في قصة ماعز على الرجم فقط، وكذلك في قصة الغامدية، والجهنية، واليهوديين، ولم يذكر الجلد مع الرجم، وبه قال الجمهور(٧٠).
• حداثة سنَّ الراوي، فذهب بعض أهل العلم إلى أنّ ما رواه الأصغر سنًّا يكون ناسخًا للنص الآخر، عملًا بالظاهر في أنَّ الأصغر سنًّا متأخَّر في الزمن عن الأكبر، ومذهب الجمهور على خلاف ذلك، فيقرِّرون بأنه لا يلزم من حداثة سن الراوي تأخّر روايته لسببين:
الأول: احتمال رواية الأصغر سنًّا عمَّن تقدَّمت صحبته، إذ قد ينقل أصاغر الصحابة عن أكابرهم، فلا يلزم أن تكون روايته مُتأخِّرة.
الثاني: احتمال سماع الكبير الناسخ من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد أن سمع الصغير منه المنسوخ(٧١).
ويمكن التمثيل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال للمحرم: «لَا يَلْبَسُ القُمُصَ وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا البَرَانِسَ، وَلَا الخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ»(٧٢)، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب بعرفات: «مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ»(٧٣)، فإنَّ حديث ابن عمر رضي الله عنهما يدلُّ على أنه يباح للمحرم الذي لم يجد نعلين أن يلبس خُفَّين، ولكنه مقيَّد بشرط قطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، في حين أنَّ حديث ابن عباس رضي الله عنهما يدلُّ على أنه يباح للمحرم الفاقد للنعلين أن يلبس خُفَّين ولم يقيده بالقطع، والجمهور ذهبوا إلى الجمع بحمل المطلق على المقيد، أي: اشترطوا على من لم يجد نعلين أن يقطع الخفين ثمَّ يلبسهما، والحنابلة سلكوا طريق النسخ، فرأوا أنَّ حديث ابن عمر رضي الله عنهما منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما(٧٤)؛ لأنَّ حديث ابن عمر رضي الله عنهما كان بالمدينة قبل الإحرام، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما كان بعرفات، لذلك يجوز لمن تعذَّر عليه وجود نعلين أن يلبس خفين غير مقطوعين عملًا بمطلق حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قلت: والحديث يمكن التمثيل به على حداثة سن الراوي؛ لأنَّ ابن عباس رضي الله عنهما أصغر سنًّا من ابن عمر رضي الله عنهما(٧٥).
• موافقة البراءة الأصلية، بأن يكون أحد الدليلين المتعارضين موافقًا للبراءة والآخر مخالفًا لها، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ النص الموافق للبراءة الأصلية متأخَّر عن النص المخالف لها، لكونه يفيد فائدة جديدة بعد رجوع الفعل إلى البراءة الأصلية بعد نسخ الحكم الذي شرع بعدها، أمَّا مذهب الجمهور فلا يعدُّ ذلك ناسخًا؛ لأنَّ جعل غير الموافق مُتقدِّمًا والموافق متأخِّرًا ليس أولى من العكس؛ ولأنَّ الموافق للبراءة الأصلية كما أنه يأتي بفائدة جديدة عند تأخره فكذلك يأتي بفائدة عند تقدُّمه، وهي أنَّ الشارع جاء موافقًا للعقل، وغير مخالف له(٧٦).
ويمكن التمثيل له بحديث أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الجَِنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ»(٧٧)، الذي يدلُّ على مشروعية قيام القاعد للجنازة، ويعارضه حديث علي رضي الله عنه قال: «قَامَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ثُمَّ قَعَدَ»(٧٨)، فإنه يدلُّ على أنَّ القيام للجنازة غير مشروع، فمن سلك مسلك الجمع حَمَل الأحاديث الدالة على وجوب القيام على الندب لاحتمال أنَّ قعوده صلَّى الله عليه وسلَّم كان لبيان الجواز، ومن تمسَّك بالنسخ رأى أنَّ أحاديث القيام لها حال القعود منسوخة بالقعود من جهة موافقتها للبراءة الأصلية؛ ولأنَّ النسخ ورد بالنص في الرواية الأخرى لعليِّ رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَأْمُرُنَا بِالقِيَامِ فِي الجِنَازَةِ، ثُمَّ جَلَسَ وَأَمَرَنَا بِالجُلُوسِ»(٧٩).
ثالثًا: الترجيح عند تعذُّر الجمع على وجه مقبول، وتعذَّر الوقوف على المتقدِّمِ والمتأخِّر، ويسعى المجتهد في البحث في درجة النصَّين من حيث القُوَّة، فإن ظهر له مرجِّح لأحدهما على الآخر: إمَّا من حيث ثبوته، أو من حيث دلالتُه، أو من حيثيات أخرى معتبرة شرعًا، عمل بالراجح وأهمل المرجوح وفق شروط الترجيح وهي:
ـ استواء الدليلين المتعارضين في الحُجِّية.
ـ وعدم إمكان الجمع بينهما.
ـ وعدم معرفة تاريخهما.
ـ وأن يكون المرجّح به وصفًا قائمًا بالدليل.
ـ وأن لا يكون الدليلان قطعيين، أو قطعيًّا مع ظني لأنه لا يُتصوَّر تعارضهما(٨٠)، فإذا روعيت هذه الشروط أمكن الترجيح، وله ثلاث جهات وهي:
الجهة الأولى: الترجيح من جهة سند الحديث، وهذه الجهة تنقسم إلى وجوه الترجيح باعتبار حال الراوي، وإلى وجوه الترجيح باعتبار قُوَّة السند في مجموعه.
أمَّا الجهة الثانية: وهي الترجيح من جهة المتن فتنقسم إلى: وجوه الترجيح باعتبار لفظ الدليل، وإلى وجوه الترجيح باعتبار دلالة الدليل، وإلى وجوه الترجيح باعتبار مدلول الدليل أو حكمه.
أمَّا الجهة الثالثة: وهي الترجيح بأمرٍ خارجيٍّ، فتنقسم إلى ترجيح ما وافقه دليلٌ آخر وإلى ترجيح ما عمل به واحتمل تأخّره(٨١).
رابعًا: التوقُّف عن العمل بأحد الدليلين أو التساقط إن تعذَّر دفع التعارض بالجمع والنسخ والترجيح، ولم يذكر المصنِّف وغيره من القائلين بهذا المسلك معيار التوقُّف عن أحد الدليلين واختيار الآخر، والواجب في ذلك هو السعي الحثيث في طلب الدليل والاجتهاد في معرفة الحقِّ، إذ لا تخلو مسألة عن دليل وبيان من الشرع، ويبقى القول بالتوقُّف أو التساقط في حقيقة الأمر ما هو إلَّا مجرَّد كلامٍ نظريٍّ ليس له أثرٌ عمليٌّ على الجانب الفقهي، وقد أوضح ابن خزيمة أنه لا يوجد حديثان صحيحان عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم متضادَّان إلَّا يمكن التوفيق بينهما، ولا يمكن أن يَرِدَ عن الشارع نصَّان متعارضان في موضوعٍ واحدٍ دون أن يكون أحدهما ناسخًا أو راجحًا(٨٢)، ويؤيِّد هذا المعنى إمام الحرمين بقوله: «إنَّ قول العلماء بالتوقُّف ـ إن تعذَّر الترجيح ـ إنما هو مجرَّد افتراض لا يمكن حدوثه»(٨٣)، وورد عن الشاطبي ما يُؤكِّد ذلك بقوله: «لا يوجد دليلان تعارضَا بحيث أجمع العلماء على التوقُّف فيهما»(٨٤).
هذا، والذي تجدر ملاحظته أنَّ المصنِّف قدَّم مسلك الجمع مطلقًا على النسخ والترجيح، والأَوْلَى تقديم النسخ الثابت بنصّ الشارع على بقية المسالك؛ لأنَّه إذا ثبت بالنصِّ نسخ أحدهما فإن محاولة الجمع أو الترجيح بينهما هو إعطاء حُجِّية لدليل انتهت حُجِّيته فلا يصلح أن يعارض الدليل الناسخ، وإنما يقدَّم الجمع على النسخ إن كان ثابتًا بالطرق الاحتمالية المتقدِّمة وليس بالنصّ؛ لأنَّ الطُرُق الاحتمالية للنسخ المختلف فيها يمكن اعتبارها من قرائن الترجيح لا من طرق النسخ، كما أنَّ المصنِّف رَتَّب مسلك التساقط ضمن مسالك دفع التعارض، والأولى إلغاؤه لأنَّه مجرَّد كلام نظري لا أثر له من الناحية العملية والواقعية في الفقه الإسلامي، وعليه يكون ترتيب المسالك كالآتي: النسخ بالنصِّ، ثمَّ يليه الجمع، ثمَّ النسخ الاحتمالي، ثمَّ الترجيح.
• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص ١٩٩]:
«…فَإِنْ تَعَذَّرَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الحَادِثَةِ كَانَ النَّاظِرُ مُخَيَّرًا فِي أَنْ يَأْخُذَ بأَيِّ اللَّفْظَيْنِ شَاءَ الحَاظِرِ أَوِ المُبيحِ، إِذْ لَيْسَ فِي العَقْلِ حَظْرٌ وَلاَ إِبَاحَةٌ».
[م] اختار المصنِّف مسلكَ التخيير في العمل بأي الدليلين شاء عند تعذَّر وجود دليل على حكم تلك المسألة المبحوث عنها، وبهذا قال أبو بكر الباقلاني والغزاليُّ والفخرُ الرازي والبيضاوي(٨٥)، ولا يخفى أنَّ القول بالتخيير جمع بين النقيضين واطِّراح لكلا الدليلين وكلاهما باطل، ووجه الجمع بين النقيضين أنَّ المباح نقيض المحرَّم، فإذا تعارض المبيح والمحرِّم، وخيِّر بين كونه محرَّمًا يأثم بفعله وبين كونه مباحًا لا إثم على فاعله كان جمعًا بينهما وذلك محال، ولأنَّ في التخيير بين الموجب والمبيح رفعًا للإيجاب فيصير إلى التخيير المطلق، وهو حكم ثالث غير حكم الدليلين معًا فيكون اطِّراحًا لهما وتركًا لموجبهما.
وعليه فإنَّ التخيير في الشرع لا ينكر لكن التخيير بين النقيضين ليس له في الشرع مجال وهو في نفسه محال. قال ابن تيمية -رحمه الله-: «الترجيح بمجرد الاختيار بحيث إذا تكافأت عنده الأدلة يرجَّح بمجرَّد إرادته واختياره، فهذا ليس قول أحد من أئمة الإسلام»(٨٦).
هذا، ومَرَدُّ خلافهم في مسألة الاختيار والتوقُّف مبنيٌّ على مسألة التصويب والتخطئة في الاجتهاد، ومنشأُ القول بالتصويب والتخطئة يعود إلى مسألة: هل لله تعالى في كلِّ مسألة حكم معيّن قبل اجتهاد المجتهِد أو ليس له ـ سبحانه ـ حكمٌ معيّن، وإنما الحكم فيها هو ما وصل إليه المجتهد باجتهاده ؟ وبناءً عليه فمن قال: إنَّ لله حكمًا معيّنًا في كلّ واقعة قبل الاجتهاد ـ وهو قول المخطِّئة ـ قال: لا تعارض بين أدلّة الشرع وعلى المجتهد إصابة الحكم فإذا أصابه فهو المصيب الذي يستحقُّ أجرين، وإذا أخطأه ـ بعد بذل الجهد ـ فهو المخطئ الذي يستحقّ أجرًا واحدًا، فإن عجز عن الترجيح ولم يجد دليلًا آخر فلا يجوز أن تبقى الأدلة متكافئة في محلٍّ واحدٍ، بل لا بد أن يكون أحد المعنيين أرجح، فيلزمه والحال هذه ـ نظرًا لعجزه ـ التوقُّف وبه قال أكثر الأحناف وأكثر الشافعية(٨٧)، وأنكر وقوعَه إمامُ الحرمين والشاطبيُّ(٨٨) وغيرُهما ـ كما تقدَّم ـ أو تقليد مجتهد آخر عثر على الترجيح، وبه قال تقي الدِّين بن تيمية وحكاه الزركشي عن حكاية الجويني(٨٩)، أو يتعيَّن الأغلظ وهو الحظر وبه قال الأبهري(٩٠) وابن القصار(٩١) والشيرازي واختاره الآمدي وابن الحاجب وابن الهمام(٩٢)، أو تتعيّن الإباحة بناءً على أنَّ الأصلَ في الأشياء الإباحةُ، وبه قال القاضي عبد الوهاب المالكي(٩٣)، وابن حمدان الحنبلي(٩٤)، أمَّا على قول المصوِّبة: أنَّ الحكم في مسألة هو ما وصل إليه المجتهد باجتهاده، فالحقُّ ـ عندهم ـ ليس في جهة واحدة، إنما هو مطالب متعدّدة(٩٥)، ويجوز أن تتكافأ الأدلة في محلٍّ واحدٍ بحيث لا مزية لأحدهما على الآخر، وبناءً عليه يكون حكم الله التخيير، وقد تقدَّم القول بأنَّ مسلك التوقُّف أو التساقط ما هو إلَّا مجرَّد كلام نظريّ ليس له أثرٌ عملي في الفقه الإسلامي.
(١) انظر: «قواعد التحديث» للقاسمي (١٦٢، ١٦٣، ٣١٣).
(٢) سبق تخريجه، انظر: الرابط.
(٣) سبق تخريجه، انظر: الرابط.
(٤) أخرجه أبو داود (١/ ٩٨)، والنسائي (١/ ١٠٨)، من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث صحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير» (٢/ ٢١٤)، والألباني في «صحيح أبي داود» (١٩٢)، وفي «صحيح النسائي» (١٨٥).
(٥) أخرجه أحمد (٥/ ١٠٠)، ومسلم (١/ ٢٧٥)، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
(٦) انظر ترجمته في الجانب الدراسي من كتاب «الإشارة» (٧٥).
(٧) انظر: «المحلى» لابن حزم (١/ ٢٤١ ـ ٢٤٤)، «المغني» لابن قدامة (١/ ١٨٧)، «شرح منتهى الإرادات» للبهوتي (١/ ٦٩).
(٨) أخرجه البخاري (٣/ ٣٦٤)، ومسلم (١١/ ٢٥٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٩) أخرجه أحمد (٥/ ٤٣٥، ٤٣٦)، وأبو داود (٣/ ٨٢٨)، وابن ماجه (٢/ ٧٨١)، من حديث محيصة عن أبيه، والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (٢/ ٣٩٠)، رقم (٣٥٦٩).
(١٠) «المغني» لابن قدامة (٨/ ٣٣٦)، «طرح التثريب» للعراقي (٤/ ١٨)، «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٢٢٥)، «فتح الباري» لابن حجر (١٢/ ٢٥٥)، «سبل السلام» للصنعاني (٣/ ٥٤٣).
(١١) أخرجه أحمد (٦/ ٣١)، ومسلم (٢/ ١٠٧٣)، والنسائي (٦/ ١٠١)، وابن ماجه (١/ ٦٢٤)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٢) أخرجه مالك في «الموطإ» (٢/ ١١٨)، والشافعي في «مسنده» (١/ ٣٠٧)، ومسلم (١٠/ ٢٩)، وأبو داود (٢/ ٥٥١)، والترمذي (٣/ ٤٥٦)، والنسائي (٦/ ١٠٠)، وابن ماجه (١/ ٦٢٥)، والبيهقي (٧/ ٤٥٤)، والدارمي (٢/ ١٥٧)، والبغوي في «شرح السُّنَّة» (٩/ ٨٠)، وابن الجارود في «المنتقى» (٢٦٢)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٣) أخرجه أبو داود (١/ ٤٩٠)، والترمذي (٣/ ١٧)، (١/ ٥٧٧)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» (٣/ ٢٦٦).
(١٤) السائمة من الماشية: الراعية، يقال: سامت تسوم سومًا. [«النهاية» لابن الأثير: (٢/ ٤٢٦)].
(١٥) سبق تخريجه، انظر: الرابط.
(١٦) متفق عليه: أخرجه البخاري (٣/ ٤٨٢)، ومسلم (٣/ ١٤٦٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٧) متفق عليه: أخرجه البخاري (٣/ ٤٨٣)، ومسلم (٣/ ١٤٦٩)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(١٨) أخرجه أحمد (٢/ ٤٥٤)، وأبو داود (٢/ ٢١٨)، والترمذي (٣/ ٣١٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسَّنه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (١/ ١٣٧)، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (١/ ١٧٣).
(١٩) أخرجه الحاكم (١/ ٥٤٣)، والدارقطني (٢/ ٦٧)، والبيهقي (١/ ٣٠٦)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال ابن الملقن في «البدر المنير» (٤/ ٦٥٨) معلِّقًا على قول الدارقطني: «إنه صحيح على شرط البخاري»: «هو كما قال». والحديث حسَّنه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (١/ ١٣٧)، والألباني في «أحكام الجنائز» (١/ ٣١).
(٢٠) أخرجه أحمد (٥/ ٦٦)، وأبو داود (١/ ٦٨)، والترمذي (١/ ٩٣)، من حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» (١/ ٤٣).
(٢١) أخرجه أحمد (١/ ٣٦٦)، ومسلم (١/ ٢٥٧)، وابن خزيمة (١/ ٥٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢٢) «المغني» لابن قدامة (١/ ٢١٤)، «المجموع» للنووي (٢/ ١٩٠)، «معالم السنن» للخطابي (١/ ٦٣)، «سبل السلام» للصنعاني (١/ ٤٩).
(٢٣) أخرجه أحمد (٣/ ٤٦٤)، ومسلم (٣/ ١١٩٩)، وأبو داود (٢/ ٢٨٧)، والترمذي (٣/ ٥٧٤)، من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه.
(٢٤) أخرجه أحمد (١/ ٣١٦)، والبخاري (١/ ٥٤١)، ومسلم (٣/ ١٢٠٤)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢٥) «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٢٢٥)، «المجموع» للنووي (٩/ ٦٠)، «شرح مسلم» للنووي (١٠/ ٢٣٣)، «معالم السنن» للخطابي (٣/ ٧٠٧)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤٥٩)، «سبل السلام» للصنعاني (٣/ ١٧٠).
(٢٦) أخرجه أحمد (٣/ ١٢)، ومسلم (١/ ٣٩٥)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢٧) أخرجه أحمد (٣/ ٣٨٠)، وأبو داود (٢/ ٥٤٢)، والترمذي (٤/ ٥٢)، والنسائي (٨/ ٨٨)، وابن ماجه (٢/ ٨٦٤)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (٤/ ٦٦): «أعلَّه ابن القطان بأنه من معنعن أبي الزبير عن جابر وهو غير قادح، فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنَّفه عن ابن جريج وفيه التصريح بسماع أبي الزبير له من جابر، وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف رواه بن ماجه بإسناد صحيح». وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (٨/ ٦٥).
(٢٨) أخرجه أحمد (٦/ ١٦٢)، ومسلم (٣/ ١٣١١)، وأبو داود (٢/ ٥٣٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢٩) «إعلام الموقعين» لابن القيم (٢/ ٨٠)، «فتح الباري» لابن حجر (١٢/ ٨٧)، «العُدة» للصنعاني (٤/ ٢٧٨)، «سبل السلام» للصنعاني (٤/ ٤٢)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٨/ ٣٤٥).
(٣٠) أخرجه أحمد (٦/ ١٠)، والبخاري (١/ ٥٣٤)، وأبو داود (٢/ ٣٠٨)، والنسائي (٧/ ٣٢٠)، وابن ماجه (٢/ ٨٣٣)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه، وفيه قصة عن عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: «وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَيَّ إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقَالَ يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ فَقَالَ سَعْدٌ وَاللهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا فَقَالَ الْمِسْوَرُ وَاللهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا فَقَالَ سَعْدٌ وَاللهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ مُنَجَّمَةً أَوْ مُقَطَّعَةً قَالَ أَبُو رَافِعٍ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَقُولُ: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ».
(٣١) أخرجه أحمد (٣/ ٢٩٦)، والبخاري (١/ ٥٣٤)، وأبو داود (٢/ ٣٠٨)، والترمذي (٣/ ٦٥٢)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٣٢) «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٢٥٦)، «المغني» لابن قدامة (٥/ ٣٠٨)، «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٤٩)، «المجموع» (التكملة الثانية) (١٤/ ٣٠٠)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤٣٦)، «سبل السلام» للصنعاني (٣/ ١٥٦).
(٣٣) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١٠/ ٢٣٨) (شرح مسلم)، في باب الأمر بقتل الكلاب، والترمذي، والنسائي، وأحمد، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣٤) أخرجه البخاري (١/ ٥٥٤)، ومسلم (٣/ ١٢٠٣)، وأبو داود (٢/ ١٢٠)، والترمذي (٤/ ٨٠)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وليس عند البخاري: «أو صيد» إلَّا معلَّقًا.
(٣٥) «فتح الباري» (٥/ ٦).
(٣٦) أخرجه مالك (٢/ ٩٦٩)، والبخاري (١/ ٥٥٥)، ومسلم (٣/ ١٢٠٤)، والنسائي (٧/ ١٨٧)، من حديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه.
(٣٧) أخرجه أحمد (٢/ ١٨٢)، والحاكم (٢/ ٢٢٥) وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، والبيهقي (٨/ ٤)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير» (٨/ ٣١٧)، وأحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (١٠/ ١٧٧)، وحسَّنه الألباني في «الإرواء» (٧/ ٢٤٤).
(٣٨) أخرجه أبو داود (١/ ٦٩٣)، والنسائي (٦/ ١٨٥)، والدارمي (٢/ ٢٢٣)، والحاكم (٤/ ١٠٨)، وأخرجه بدون ذكر القصة: الترمذي (٣/ ٦٣٨)، وابن ماجه (٢/ ٧٨٧)، جميعهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابن القطان كما في «التلخيص الحبير» لابن حجر (٤/ ١٢)، و«نصب الراية» للزيلعي (٣/ ٢٦٩)، وصحَّحه ـ أيضًا ـ الألباني في «الإرواء» (٧/ ٢٥١).
(٣٩) «المغني» لابن قدامة (٧/ ٦١٤)، «سبل السلام» للصنعاني (٣/ ٤٦٦)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٨/ ١٦٠). يوجد مثال آخر على الجمع باختلاف الحال على الرابط.
(٤٠) متفق عليه: أخرجه البخاري (١/ ٢٠٥)، ومسلم (١/ ٤٩٢)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٤١) أخرجه أحمد (٣/ ١٧٩)، ومسلم (١/ ٤٩٢)، والنسائي (٣/ ٨١)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٤٢) «المحلى» لابن حزم (٤/ ٢٦٣)، «شرح مسلم» للنووي (٥/ ٢٢٠)، «فتح الباري» لابن حجر (٢/ ٣٣٨).
(٤٣) أخرجه أحمد (١/ ٤٣٥)، وأبو داود (١/ ٣٠٦)، والنسائي (٣/ ١٩)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال ابن حجر في «فتح الباري» (١٣/ ٤٩٩): «وأصل هذه القصة في الصحيحين من رواية علقمة عن ابن مسعود لكن قال فيها: «إنَّ في الصلاة لشغلًا»»، والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٢٧٧٣).
(٤٤) أخرجه أحمد (٥/ ٣٥٠، ٣٥٥، ٣٥٦)، ومسلم (٧/ ٤٦، ١٣/ ١٣٤ ـ ١٣٥)، والنسائي (٤/ ٧٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٤/ ٧٦)، من حديث ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه.
(٤٥) أخرجه مسلم (٢/ ٦٧٢)، والنسائي (٨/ ٣١٠)، وابن حبان (١٢/ ٢١٣)، من حديث بريدة رضي الله عنه.
(٤٦) أخرجه مالك (١/ ٢٣٢)، ومسلم (٢/ ٦٦١)، وأبو داود (٢/ ٢٢١) وابن حبان (٧/ ٣٢٦) واللفظ له، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٤٧) انظر: «المستصفى» للغزالي (١/ ١٢٨)، «الاعتبار» للحازمي (٥٦)، «الإتقان» للسيوطي (٢/ ٣٢)، «فتح الغفار» لابن نجيم (٢/ ١٣٦)، «شرح العضد على ابن الحاجب» (٢/ ١٩٦)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (١٩٧).
(٤٨) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٤).
(٤٩) أخرجه أحمد في «مسنده» (٦/ ٨٦)، ومسلم (٤/ ٤٤)، وابن ماجه (١/ ١٦٤)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١/ ٦٢)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه ـ أيضًا ـ أحمد في «مسنده» (٢/ ٥٢٩)، ومسلم (٤/ ٤٣)، والنسائي (١/ ١٠٥)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١/ ٦٣)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥٠) أخرجه أحمد (٥/ ١١٥)، وأبو داود (١/ ١٠٥)، وابن ماجه (١/ ٢٠٠)، والدارمي (١/ ٢١٣)، والبيهقي (١/ ١٦٥)، من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح أبي داود» (١٩٩).
(٥١) أخرجه أحمد (٥/ ١١٦)، والترمذي (١/ ١٨٣)، وابن خزيمة (١/ ١١٢)، والبيهقي (١/ ١٦٥)، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه. انظر طرقه والجواب على من طعن فيها في «التلخيص الحبير» لابن حجر (١/ ١٣٥). وصحَّحه الألباني في «المشكاة» (١/ ٩٧).
(٥٢) «المسودة» لآل تيمية (٢٠٧)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (٣٢١)، «مختصر الحاجب مع شرح العضد» (٢/ ١٩٦)، «نهاية السول» للإسنوي (٢/ ٢٦٨).
(٥٣) متفق عليه: أخرجه البخاري (١/ ٣٧١)، ومسلم (٢/ ٨٣٦)، والنسائي (٥/ ١٣٠)، وأحمد (٤/ ٢٢٢)، من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه.
(٥٤) متفق عليه: أخرجه البخاري (١/ ٣٧٢)، ومسلم (٢/ ٨٤٦)، وأبو داود (١/ ٥٤٤)، والنسائي (٥/ ١٣٧)، وابن ماجه (٢/ ٩٧٦)، من حديث عائشة رضي الله عنهما.
(٥٥) متفق عليه: أخرجه البخاري (١/ ٣٧٢)، ومسلم (٢/ ٨٤٧)، والنسائي (٥/ ١٣٨)، وابن ماجه (٢/ ٩٧٧)، و أحمد (٦/ ١٢٤)، من حديث عائشة رضي الله عنهما.
(٥٦) أخرجه أبو داود (١/ ٥٦٨)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٥/ ٤٨)، من حديث عائشة رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح أبي داود» (١٨٣٠).
(٥٧) «المحلى» لابن حزم (٧/ ٨٢)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٣٢٨)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٢٧٣)، «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٩٨)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٩٧)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٨٩).
(٥٨) لا خلاف في كسر أوَّله، وأصحابُ الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه، وأهل الأدب يخطّئونهم، ويسكّنون العين ويخفّفون الراء، والصحيح أنهما لغتان جيّدتان، والجعرانة: نزل بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقسم بها غنائم حُنين، ومنها أحرم بعمرته في وجهته تلك. [انظر: «معجم ما استعجم» للبكري (٢/ ٣٨٤)، «الروض المعطار» للحميري (١٧٦)، «معجم البلدان» لياقوت (٢/ ١٤٣)، «مراصد الاطلاع» للصفي البغدادي (١/ ٣٣٦)].
(٥٩) «المستصفى» للغزالي (١/ ١٢٨)، «الإحكام» للآمدي (٢/ ٢٧٨)، «مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه» (٢/ ١٩٨)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (٢/ ٩٥)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٣/ ٥٦٤)، «فتح الغفار» لابن نجيم (٢/ ١٣٣)، «إرشاد الفحول» للشوكاني.
(٦٠) أخرجه أحمد (٤/ ٩٣)، وأبو داود (٢/ ٥٧٠)، والترمذي (٤/ ٤٨)، والحاكم (٤/ ٤١٣)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٣/ ٣٤٧).
(٦١) «الأم» للشافعي (٦/ ١٤٤).
(٦٢) «سنن ?
0 تعليقات