التقادم المسقط للدعوى الجنائية طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والقانون والقضاء
---------------------------------
التقادم المسقط للدعوى الجنائية المنصوص عليه في المادة 38 إجراءات جنائية المتداول في القروبات، مسألة تمت مناقشتها باستفاضة في العديد من منابر التنوير القانوني وسط المشتغلين في مهنة القانون والمحاكم الجنائية، وكما تم عقد ورشة نقاش عديدة لها، ومن التوصيات لها ضمن سياسات الإصلاح القانوني، تعديل التقادم المسقط للجريمة، لتكون من تاريخ كشفها والعلم بها، والتوصيات استهدت بأحكام القانون المقارن، والعديد من الاتفاقيات الدولية للجرائم المستحدثة العابرة للحدود والجريمة المنظمة، وإعمال قاعدة عدم الإفلات من العقاب لا تشريعاً ولا قضاءً، وما استقر عليه العرف الدولي الجنائي في العديد من السوابق القضائية الدولية، من تفسيرات الجريمة المستمرة الأثر منذ وقوعها وحدوثها، ولم يتم اكتشافها، والاستهداء بأحكام الشريعة الإسلامية، المشوفه لأوجه العدل والعدالة، ورد الحقوق لأهلها.
من ما تمّ تناوله من نقاش ثنائي محتدم في موقع آخر مع الدفعة العالم عباس محمد فضل المولى (المحامي استشاري القانون)، النقاش والرأي في قضية تخص الدفعة اللواء خالد عبدالرحمن سيد احمد، لأن المحكمة الاستئنافية الأعلى(محكمة شرق النيل الحاج يوسف والجريفات وامدوم) قررت شطب الدعوى الجنائية بسبب التقادم المسقط للدعوي، لمرور خمس سنوات وعدد 19 يوم من واقعة تزوير عقد ايجارة صيدلية بالحاج يوسف، وجاء ضمن حيثيات الحكم، أن للشاكي(الدفعة خالد عبدالرحمن) حق اللجوء للقضاء المدني، لإثبات التزوير والضرر، ولكسب الوقت واقتصاد الزمن، كان خياري استخدام الحكم الجنائي دليل إثبات لإقامة الدعوى المدنية، وقد كان، ولبيان ما نرمي له في النقاش، نود أن نشير إلى أن القوانين الجنائية لسنة 1991م بُنيت علي مقاصد أحكام الشريعة الاسلامية، ولذلك، القوانين الجنائية لسنة 1991م إعتبرت المخالفة لتلك المقاصد والأحكام، بمثابة مخالفة قواعد النطام العام في القوانين الوضعية.
للتوضيح، دعونا نقرأ نصوص التقادم الوارد في قانون الإجراءات الجنائية من خلال مثال عملي توضيحي:
أحمد هاجر لأمريكا، وكان يمتلك قطعة أرض بمدينة الخرطوم.. وغاب عن الوطن قرابة ال 15 سنة، وعند عودته تفاجأ بأن قطعة الأرض التي يمتلكها، قد آلت لمالك جديد.. وبتقصي الأمر، إتضح أن هنالك من قام بتزوير عقد البيع للمالك الجديد.
قابل أحمد صديق له يعمل في مجال المحاماة، والذي أفاده، أن قضيته خاسرة، بسبب التقادم المسقط لتحريك دعوي التزوير،
أحمد علم بواقعة التزوير بعد 15 سنة.. وما كان له أن يعلم بواقعة التزوير، إلا بحضوره من أمريكا.
بناء على ما تقدم، من حيث الواقع التشريعي والعملي في الشريعة الاسلامية والقانون والقضاء والفقه، قول المولى عز وجل في سورة النمل الآيه 65، (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، ومقايسة بأحكام الشريعة الإسلامية، فإن هذا النص في القانون معيب، لإغفال النص في المادة الموجب الشرعي للتقادم، وإغفاله عدم علم المجني عليه بواقعة التزوير، لأنه لا يعلم بالغيب، ولذلك يكون هذا النص مخالف لمقاصد وأحكام الشر يعة الاسلامية، وبالبناء على ذلك، أي تسبيب للقاضي، باعتبار واقعة العلم بالتزوير هو بداية الجريمة، يعتبر تسبيب شرعي وقانوني، ولا يقدح في حكم القاضي لمخالفة النص قواعد النظام العام ومقاصد وأحكام الشريعة التي ارتكز عليها مجمل التشريع والقانون.
ومن حيث الفقه والقانون والقضاء، طبقاً للقاعدة الذهبية الشكل لا يطغى على الموضوع، فإن النصوص الشكلية، دائما يتقاضي عنها، متي ما كانت مخالفة لقواعد النظام العام، لكيما تطغى على الموضوع، وهذا من جهة نظر في المسألة.
من جهة أخرى، ربما هنا سؤال يطرح نفسه، قانون تفسير القوانين والنصوص العامة، صدر في العام 1974م في ظل عدم وجود محكمة دستورية يُلجأ إليها لتفسير القوانين، سؤال يطرح نفسه، ما الداعي لاستمرار العمل بهذا القانون، أي تجاوز أحكام هذا القانون، لتأسيس دوائر دستورية داخل المحكمة العليا في السلطة القضائية، واخيراً المحكمة الدستورية، وصدور دساتير وقانون للمحكمة الدستورية، إجابة على السؤال المطروح، الواقع العملي والتشريعي فرض أن يظل قانون تفسير القوانين والنصوص العامة قائماً، للنص في الدستور على اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في دستورية القوانين والنصوص العامة، والنص في قانونها الخاص لسنة 2005م على لجوئها في التفسير لأحكام قانون تفسير القوانين والنصوص العامة، ونزولاً للعديد من أحكام السوابق الدستورية في ظل الدساتير السابقة لدستور عام 2005م. ومن حيث القانون، بالنظر لنص المادة (2) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974م تنص المادة على الآتي:(إذا تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور، تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض) وهذا النص من القانون يصلح أساس لتطبيق هذه المادة، وصلاحية الدفع بها فيما يختص بمادة التقادم الوارد في المادة(38) من قانون الاجراءات الجنائية، لمخالفتها مصادر التشريع للدستور، هذا من جهة نظر في المسألة.
ندع تفسير القانون جانباً، بالنظر في نص المادة (2) من ذات قانون تفسير القوانين والنصوص العامة، المادة من القانون نصت علي أنه في حالة التعارض مع أحكام الدستور، يُطبق أحكام الدستور، والدستور نص علي أن أحد مصادره الشريعة الاسلامية، إذن، كيف تنص المادة (38) قانون الإجراءات الجنائية على التقادم، بإفتراض صاحب الدعوى يعلم بالغيب، لأن في ذلك بلا شك مخالفة للآية الكريمة:(قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
إذن، من جملة ما تقدم، نخلص إلى أن هنالك تعارض مع أحكام الدستور، وحيث التقادم يُعتبر من النطام العام، وورد في قانون الاجراءات الجنائية، فإنه بالتالي، أي تعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية شكلا،ً يوجب إزالة هذا التعارض من قبل المحكمة، تفسيراً وتاويلاَ للقانون إعمالاً لقانون تفسير القوانين والنصوص العامة، ووفقاً للفقه والقضاء العملي، بأعمال مبدأ الشكل لا يطغى على الموضوع، أما إذا كان التعارض موضوعاً، قد يستوجب الأمر رفع دعوي دستورية.
لواء شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود(المحامي)
0 تعليقات