(( التقدم في أداء الشهادة أو التراخي في التبليغ عن المخالفة فهل يحق للشخص الذي شهد حدا أو أي مخالفة تشكل معصية ولم يبلغ الحاكم بذلك أي في حينه فهل يحق له التبليغ وأداء الشهادة بعد ذلك ؟
اختلف الفقهاء في ذلك يرى الاحناف رد الشهادة للتقدم ويرى المالكية والشافعية والحنابلة عدم ردها ويرى ابن أبي ليلى ردها الا أن حجة الاحناف في رد الشهادة وعدم قبولها أقوى منطقا وأقرب إلى فاعلية حال زماننا هذا فهو زمان ضعف فيه الوزاع الديني والمنوط فيه طوق النجاة))
.......
حكومة السودان – ضد – إبراهيم مصطفي محمد
المحكمة العليا
القضــــاة :
السيد/ حنفي إبراهيم أحمد قاضي المحكمة العليا رئيسـا
السيد/ يوسف دفع اللــه قاضي المحكمة العليا عضوا
السيد/ علي يوسف الولـي قاضي المحكمة العليا عضوا
حكومة السودان – ضد – إبراهيم مصطفى محمد
م ع /ق ج/ 105/ 1987م
المبادئ:
اثبات – إقرار الشاكي أو الشاهد في الجرائم غير الحدية – تراضي الشاكي في الابلاغ عن الجريمة – عدم جواز الإدانة – وجوب التعضيد في الجرائم الخطيرة مثل الرشوة
- الشاهد مأمور بأداء الشهادة فورا لاقامة الحد أو الستر علي أخيه المسلم – فإذا لم يشهد فور المعاينة حتى نتقدم العهد – دل ذلك علي اختياره جهة الستر وان شهد بعد ذلك دل علي أن الضغينة حملته علي ذلك ولاتقبل شهادته
المحامون : سعد سالمين
الحكـــــم
القاضي حنفي إبرهيم أحمد
التاريخ : 8/6/1987م
1- هذا طلب فحص تقدم به الأستاذ سعد سالمين المحامي بعطبرة وذلك بتاريخ 18/4/1987م يطلب فيه فحص قرار محكمة استئناف الأقليم الشمالـي والذي قضت فيه بإلغاء قرار براءة المتهم إبراهيم مصطفى محمد من التهمة المنسوبة إليه تحت المادة 128 ع الصادر من محكمة المديرية عطبرة بتاريخ 15/3/1987م وأيدت فيه قرار الإدانة الصادر من جنايات عطبرة بإدانة المتهم المذكور تحت المادة أعلاه في القضية غير إيجازي/22/87 بتاريخ 11/3/1987م وحكمت عليه بالسجن لمدة شهر 2- الغرامة خمسمائة جنيه بالعدم السجن لمدة شهر آخر والجلد خمسة وعشرون جلدة
2- بمراجعتي للأوراق أجد أن هناك طلب فحص آخر قدم بتاريخ 25/4/1987م تقدم به الأستاذ/ عبد الوهاب محمد عبد الوهاب وعليه أمر بضمـه إلى الطلب الأول فهو يطلب فحص نفس الحكم وإن لاحظنا أنه أتي بـأسباب جديدة للفحص
3- تجدر الاشارة إلى أن الحكم المطلوب فحصه صدر بتاريخ 15/4/1987م ولما كانت المادة 239 إجراءات لم تحدد قيد زمني لتقديم طلبات الفحص أقرر قبول الطلب شكلاً
4- من حيث الموضوع وعلى ضوء وقائع هذه القضية فهي تثير مسألتين :-
أ- مدى صلاحية أقوال الشاكي أو المجني عليه لتعويل عليها واتخاذها أساسا لإدانة في حالة غياب أي بينة محايدة وهل هو شاهد أم خصم ؟
ب- المبدأ الثاني تقدم الشهادة فإن شهد الشخص جريمة معنية ولم يبلغ الحاكـم بها هل يحق له التبليغ أي الشهادة بعد ذلك ؟ وهل يمكن التعويل على شهادة الشاهد المتراخي في أداء الشهادة دون عذر مقبول ؟
5- لقد أسست محكمة استئناف الإقليم الشمالي بإلغاء حكم محكمة المديرية على أنه في غير الحدود شرعاً الإدانة استناداً على شهادة الشاهد الواحد متى اطمئنت محكمة الموضوع على شهادته ولكن في تقديري أن محكمة الاستئناف لـم يحالفها التوفيق عندما اعتبرت الشاكي في هذا البلاغ شاهدا فالشاكي أو المجنى عليه لا يمكن اعتباره شاهدا لوجود الخصومة بينه وبين المشهود عليه فالشاهد الذي يجوز الحكم له على شهادته هو الشاهد المحايد الذي لا مصلحة له في أداء الشهادة إلا لإقامت الحد أو رد المظالم دون أن يكون هو طرف في النزاع ودون أن تكون بينه وبين الشهود عليه خصومة فالخصومة تفيد مظنة التهمة ولا شهادة لمتهم كما هو مقرر في الفقه الإسلامي لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تقبـل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي حنة ) فالشاكي في هذا البلاغ خصم واضح الخصومة فهو اشتكى لا المتهم كما يدعي طلب منه مبلغ مائة جنيه مقابل تسجيل المنزل في اسمه وذلك كا قبل ثلاثة شهور من تاريخ فتح البـلاغ إن كانت الخصومة هذه خصومة دينية وليس خصومة دنيوية وإن كانت من أجل حماية المجتمع الذي جعله يتراخى كل هذه الفترة وهذا واضح من أقواله في محضر المحاكمة وأقواله في يومية التحري وإن كانت الأقوال في يومية التحري لا يعول عليها من الناحية الإثباتية الا أنها مصدر استئناس على مدى تطابق الأقوال في مرحلة المحاكمة بالأقوال الأولي التي أخذت في يومية التحري كان يمكن تعويض الشاكي والتهويل عليه إن فتح البلاغ في نفس اللحظات التي طلب فيها المتهم كما يدعى منه المبلغ أو في الأيام الأولي خاصة وأن الإجراءات كلها أمام محكمة كان يمكن له أن يعلمها بها فورا ولكن تراخيه كل هذه الفترة يشكك في مصداقية هذه الأقوال ويصعب الركون إليها وتأسيس إدانة عليها لأن من القواعد الثابتة في الفقة الجنائي الإسلامي لأن يخطىء الامام في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة وأن الشك كقاعدة أصولية يفسر لصالح المتهم والأحكام يجب أن تصدر بدرجة من التيقن والتحذر عليه فالانسان هو أثمن قيمة في الحياة واهدار هذه القيمة يجب أن تقابلها بينة عالية ويجب أن تقوم الإدانة علي بينات صلة لا بينات رخوة يكتنفها قدر كبير من الشك الذي يجب أن يفسر لصالح المتهم
هذا فيما يتعلق بقبول بينة الشاكي أو المجني عليه فهو ليس الشاهد حتى يمكن مناقشة مبدأ نصاب الشهادة وهل هي واحدة أم اثنين فهو خصم وخصم ذو مصلحة واضحة في بلاغنا هذا سواء في تأخير إجراءات تسجيل المنزل أو دفع مبلغ من المال لكي تثبت التخمة في مواجهة المتهم يجب أن يكون الشاهد محايداً فمن الأفضل أن لا بد أن المتهم يمثل هذه البينة ينقصها أي عنصر وهو عدالة الشاهد ولا أعتقد أن الخصومة والعدالة يلتقيان
6- ثم نأتي إلى النقطة الثانية التي إثارتها هذه القضيةوهي التقدم في أداء الشهادة أو التراخي في التبليغ عن المخالفة فهل يحق للشخص الذي شهد حدا أو أي مخالفة تشكل معصية ولم يبلغ الحاكم بذلك أي في حينه فهل يحق له التبليغ وأداء الشهادة بعد ذلك ؟
اختلف الفقهاء في ذلك يرى الاحناف رد الشهادة للتقدم ويرى المالكية والشافعية والحنابلة عدم ردها ويرى ابن أبي ليلى ردها الا أن حجة الاحناف في رد الشهادة وعدم قبولها أقوى منطقا وأقرب إلى فاعلية حال زماننا هذا فهو زمان ضعف فيه الوزاع الديني والمنوط فيه طوق النجاة
وحجة الاحناف بمنع سماع الشهادة لجريمة قرعية هي أن التأخير جعل الشاهد متهما إذ الشاهد مأمور بأداء الشهادة فورا لإقامة حد الله أو الستر على أخيه المسلم فلما لم يشهد فور انلمعنتينةحتى تقدم العهد دل ذلك على اختياره جهة الستر فإذا شهد بعد ذلك دل على أن الضغينة حملته علي ذلك فلا تقبل شهادته لما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال –أيما قوم شهدوا علي حد لم يشهدوا عند حضرته فانما شهدوا عن ضغن ولا شهادة لهم – ولم ينقل أنـه أنكر عليه أي من الصحابة هذا القول
هذا فيما يتعلق بالشاهد الذي يتراخى عن تبليغ انلحاكم بالشهادة وهو لا مصلحة له في ذلك ولا خصومة من الهوى فالأحرى أن ترفض شهادة الشاكي أولا لمظنة الخصومة وثانيا أن كان فعلاً الواقعة التي يدعيها الشاكي جعلت من المتهم ما الذي منعه من البلاغ في الحال وما هو الضرر الذي جعله يتراخى كل هذه الفترة من أغسطس سنة 1986 لكي يتقدم بعريضته في نوفمبر 1986 أين كانت حماية المجتمع طيلة هذه الفترة وكل الإجراءات أمام المحكمة أليس في مقدوره في نفس اللحظة التي لحقه فيها المتهم في فناء المحكمة أن يبلغ القاضي بذلك لا اعتقد أن هذه الواقعة حصلت بهذه الصورة ولعلي استشف من سلوك الشانكي أن الاختلاف أساساً كان في تقدير فيمة المنزل وأن أفاد الشاكي أن المتهم وعده بتخفيفها ألم يقل الشاكي في محضر المحاكمة أن هناك اشخاص أعطوا المتهم رشوة في حالات آخر وهويعلمها ما الذي منعه أن يبلغ بذلك وأن يرفع دعوى حسبه ضد المتهم أن تصديق رواية الشاكي بهذه الصورة أمر غير مقبول وبالتالي لا أجد أنه من الممكن تأسيس إدانة بناء عليه ومن ضمن الأسباب التي استند عليها الشاكي في دعواه أن المتهم وكان عليه أن يسجل الاعلام كما ورد من المحكمة وبالنظر وفحص الاعلام اتضح أن التخارج كان لاجنبي بمقابل ومثل هذا التخارج يعتبر بيعاً محضاً وهو ليس من اختصاص دوائر الأحوال الشخصية حسب الفقرة ( ثانياً ) من المنشور الشرعي (19) وبما أن البيع من اختصاص التسجيلات فان من حق رئيس التسجيلات فحص واعادة كل التحريات المتعلقة بنقل الملكية فإن الإجراء الذي قام من متممات أعماله ولايعتبر مماطلة كما فسرها المتهم ووافقته في ذلك محكمة الاستئناف وقد صدرت أخيرا النشرة التوضيحية العامة رقم 2 1407 – 1987 التي توضح الاختصاص في مثل التخارج الذي تم بالاعلام
لكل هذه الأسباب أرى أن البينة المتمثلة في أقوال الشاكي وحده من العيوب التي اشرنا إليها لا تشكل أساساً سليماً للادانة فالشارع الإسلامي أضبط مبدأ الدليل المحدد لإثبات جرائم الحدود لخطورتها كما أنه أطلق يد القاضي فيما يتعلق بمبدأ حرية الإثبات في الجرائم الأخرى ولكن يجب أن يكون هذا في الاطار الـذي يقوم علي مبدأ عدالة اشهود وسلامة الدليل فهي ليست حرية مطلقة لا ضابط لها فالجريمة موضوع بلاغنا وان لم تكم حدية إلا أنها تهمة على درجة عالية من الخطورة فيما يتعلق بأثرها على المتهم وعلى متقبله فيجب أن تكون الإدانة بناء علي بينة من القوة والاحكام بمكان حتى تتناسب مع الأمر المترتب على ذلك
1- وعليه أرى رفض قرار محكمة الاستئناف للاقليم الشمالي بتأييد قرار محكمة أول درجة وإدانة المتهم إبراهيم مصطفى محمد تحت المادة 128 فالبينة التي قدمت لا تصلح اساساً للإدانة
2- تأييد قرار محكمة المديرية عطبرة ببراءة المتهم واخلاء سبيله فورا
القاضي : يوسف دفع الله
التاريخ : 11/6/1987م
أوافق
القاضي : علي يوسف الولي
التاريخ : 16/6/1987م
أوافق :
أتفق على براءة المتهم من طائلة الجريمة تحت المادة 128 (1) من قانون العقوبات لسنة 1983م محاولة الحصول على الرشوة لأن إفادة الشاكي جاءت وحيدة ( يتيمة ) من غير تعضيد بينات أخرى مباشرة أو غير مباشرة لإثبـات الجريمة فوق مرحلة الشك المعقول
قال الشاكي عند استجوابه علي ص 5 من محضر المحاكمة ما يلي :-
والمتهم قال عندما تجي للتسجيل نحن بنخفضك وطلعت برة في حوش المركز وحصلني المتهم وقال لي أديني مائة جنيه تحت الحساب وأنا عرفته أنه طالب مني المبلغ ده كرشوة عشان ما يسهل لي عملية التسجيل وأنا قلت ليه أنا ظروفي لا تسمح لي ورفضت أعطيه
كما قال الشاكي عند اعادة استجوابه على ص 43 – 44 من نفس المحضر مايلي :-
( حصلني المتهم وقال عاوز مائة جنيه تحت الحساب تقريباً في شهر أغسطـس سنة 1986م وفي نفس اللحظة التي طلب فيها مني المتهم المبلغ وأنا رفضته حصلني لدى موظف المحكمة الشرعية وقال ليه أكتب ليه للضرائب وللسلطات الإدارية وفي تلك اللحظة أنا ما كنت حصلت على موافقة السلطات الإدارية وخلو طرف من الضرائب )
أما المتهم عند استجوابه على ص 38 من المحضر نفى التهمة في قوله :-
أنا ما حصل طلبت رشوة بعبارة على الحساب مبلغ مائة جنيه
ليس هنالك بينات مباشرة مثل شهود عيان أو بينة مكتوبة كما أنه لا يوجد بينات غير مباشرة مثال قرائن الأحوال والظروف والملابسات المحيطة بالوقائع سوى تلك التي قامت محكمة الموضوع باستنتاجها من خلال إفادة الشاكي نفسه
0 تعليقات