ضوابط خيانة الامانة وفق نص المادة ١٧٧ من القانون الجنائي
بسم الله الرحمن الرحيم
المحكمة العليا القومية
الدائرة الجنائية
أمام السادة:
رباب محمد مصطفى أبو قصيصة رئيساً
عبد المجيد إدريـس علــــي عضواً
محمـد زمـراوي نــــاصـر عضواً
الرشيد التـوم محمـد خـــير عضواً
نـور الديـن علـي عبد المجيـد عضواً
النمرة: م ع/ط ج/573/2008م
م ع/مراجعة/10/2009م
محاكمة/ أحمد محمد حاج موسى
"الحكــــم"
في محاكمة غير إيجازية بالرقم/ غ إ/92/2007م وبتاريخ 4/11/2008م أدانت محكمة جنايات أمدرمان غرب المذكور بعاليه تحت المادة 177 (2) من القانون الجنائي لسنة 1991م وحكمت عليه بالسجن لمدة سنة من 26/6/2008م والغرامة مبلغ 500 (خمسمائة جنيهاً) بالعدم السجن لمدة شهر يسري بالتتابع ورد مبلغ 74.766.03 (أربعة وسبعين ألف وسبعمائة ستة وستين جنيهاً وثلاثة قروش) للشاكي وتحصل بالطريق المدني.
تقدم المحكوم عليه بطعن بالاستئناف لمحكمة استئناف أمدرمان التي قضت بموجب حكمها بالنمرة/م إ/أ س ج/1424/2008م بتأييد حكم محكمة الموضوع للأسباب التي ذكرتها.
لجأ محامي المحكوم ضده إلي المحكمة العليا طاعناً بالنقض في قضاء محكمة استئناف أمدرمان فأصدرت المحكمة العليا حكمها بالنمرة/م ع/ط ج/573/2008م بتأييد الإدانة والعقوبة كما قضت بها محكمة الموضوع وأيدتها محكمة الاستئناف.
لم يرض المحكوم عليه بقضاء المحكمة العليا دائرة النقض فتقدم بالمذكرة المرفقة لمراجعة حكم المحكمة العليا وألحقها بمذكرة أخرى بأسباب إضافية تم تصريحهما بواسطة السيد/ قاضي المحكمة العليا ونائب رئيس القضاء الذي وجه بإرسال صورة للطرف الآخر للرد حيث تم ذلك بالفعل وأودع الطرف الآخر الرد المرفق ومن ثم يصبح طلب المراجعة صالحاً للفصل في موضوعه حيث تتلخص أسباب الطلب الأول في أن الفترة التي حدث فيها العجز من 1/10/2004م إلي 7/10/2004م أي مدة أسبوع حيث كان مقدم طلب المراجعة مديراً للمبيوعات، فالعجز المالي الذي حدث في الفترة المذكورة ثابت بالبينات أنه لا يوجد شاهد اتهام أو دفاع أجرى مراجعة للحسابات في فترة الأسبوع هذه ليثبت وجود عجز مالي وأن ما توصلت إليه محكمة الموضوع بخصوص العجز كان مجرد اجتهاد منها وليس بموجب بينات أمامها. ويذهب مقدم طلب المراجعة إلي القول بأن العجز المالي المسند لطالب المراجعة في المدة المذكورة اعتمد على مستندي اتهام (1-2) وأن المستندين وما دون
م ع/ط ج/573/2008م(ص2)
م ع/مراجعة/10/2009
فيهما من أرقام لا يشير إلي وجود أي عجز مالي وكان على محكمة الموضوع الاستشارة بخبراء حسابات للوصول للحقيقة لا أن تجري الحسابات بنفسها مما أدى لنتيجة غير صحيحة أدانت فيها مقدم الطلب.
وباستعراض العجز المالي للفترة من أول أكتوبر حتى نهاية شهر ديسمبر لا تشير إلي وجود أي عجز مالي في تلك الفترة كما أن مبلغ العجز المذكور لا يمكن أن يكون قد حدث خلال أسبوع مما يفيد وجود خلل في إجراءات المحاسبة وهذه قرينة لصالح مقدم طلب المراجعة (حسب رأي محاميه).
يرى الأستاذ مقدم الطلب أنه بموجب عملية طرح بسيطة لمبلغ الإيرادات والمنصرفات في الفترة المذكورة والرصيد المتبقي بالخزينة حسب المستندان المقدمة لا يوجد أي عجز مالي.
ويرى مقدم طلب المراجعة أن ما ذهبت إليه المحكمة العليا في حكمها محل المراجعة من أن المستند الموقع عليه بالكتابة أو البصمة يعتبر إقرار غير قضائي لا يقبل الرجوع فيه وهو حجة على المقر يرى أنه لا يعدو أن يكون إقراراً إدارياً بالإضافة إلي أن مستندي الاتهام (1) و (2) لا يوضحان عجزاً مالياً محدداً وأن الإجراء الإداري المذكور لا يعني إقرار طالب المراجعة بمسئوليته عن أي عجز مالي بافتراض وجود عجز مالي وأن طالب المراجعة لم يكن مؤتمناً على أموال المصنع إذ أن إدارة ذلك المال كانت مسئولية المدير العام وسوء الإدارة لا ينسب إليه وأن النظام المحاسبي هو الذي أدى لتلك النتائج وليس طالب المراجعة، فهناك عجز مالي مستمر.
يرى مقدم الطلب أن ما قضت به محكمة الاستئناف وأيدتها فيه المحكمة العليا كان بالأرجحية وأن الأرجحية لا يعمل بها في القانون الجنائي وإنما هي شك يفسر لصالح طالب المراجعة.
في النهاية يلتمس مقدم الطلب إلغاء الإدانة والعقوبة وإطلاق سراح طالب المراجعة.
هذا بالنسبة لما جاء في أسباب طلب المراجعة الأصلي. أما الأسباب الإضافية الملحقة للطلب الأول فتتلخص في أن مستندي الاتهام (1) و (2) اللذين تم بموجبهما تأسيس الإدانة حيث يشمل الأول الإيرادات في شهر أكتوبر لسنة 2004م وهي مبلغ 52.296.603.500 ديناراً وأن مستند الاتهام (2) يحوي المنصرفات في الفترة المذكورة وهي مبلغ 52.296.603.500 ديناراً ويطرحا من مبلغ الإيرادات يصبح المبلغ الذي ينبغي أن يكون بالخزنة هو 435390911 دينار وأن المبلغ يخص كل شهر أكتوبر من 1/10/2004م إلي 31/10 لذلك يرى مقدم الطلب خطأ محكمة الموضوع، فالمبلغ المفقود هو عن شهر أكتوبر كاملاً. وبعد طرح ما وجد بالخزنة عند الجرد وهو 2818500 ديناراً يصبح المبلغ المفقود حقيقة 1.535.396 ديناراً وبالعملة الجديدة (خمسة عشر ألف جنيهاً) وعليه يتساءل مقدم الطلب من أين لمحكمة الموضوع بمبلغ 7.476.903 ديناراً؟ ويرى مقدم الطلب أنه لا يوجد أي فرق في الفترة التي كان طالب المراجعة مسؤولاً فيها ويمضي طالب المراجعة إلي أن خطأ محكمة الموضوع يكمن في أنها اعتبرت بالخطأ المبلغ الموجود بالخزنة بعد طرح المنصرفات من الإيرادات وهو مبلغ 2.818.500 ديناراً اعتبرته مصروفات وهو مبلغ لم يتم التصرف فيه ويرى أن محكمة الموضوع وهي تجري العملية المحاسبية قامت بخصم هذا المبلغ
م ع/ط ج/573/2008م(ص3)
م ع/مراجعة/10/2009
الموجود بالخزنة وهو 2818500 دينار من مبلغ الإيرادات وهو 13.529.574 دينار لتكون النتيجة مبلغ 10.711.474 دينار والذي اعتبرته المبلغ المفقود بينما هذا المبلغ حسب مستند اتهام (2) مؤشراً عليه بأنه مصروفات في الفترة من 1/10/ إلي 7/10 "أرفق مقدم الطلب صورة من المستند المذكور (م. إ.2)" ويرى الأستاذ مقدم الطلب أن محكمة الموضوع فيما قامت به عملية حسابية هي ليست خبيرة فيها خاصة في وجود العديد من الأرقام مما يحتاج لشاهد خبرة حتى لا تقع في مثل هذه الأخطاء.
يمضي مقدم طلب المراجعة إلي القول بوجود أخطاء أخرى وقعت فيها محكمة الموضوع حيث يرى أنها اعتبرت القيودات الواردة بمستند اتهام (2) بالأرقام 2/10 حتى 25/10 اعتبرتها مبالغ خاصة بالمصروفات من 1/10 إلي 7/10 مما جعلها تقع في خطأ واضح لتشابه الأرقام مع التواريخ التي كان فيها طالب المراجعة مسؤولاً .
هذا ويمضي مقدم الطلب في سرد أوجه الخطأ في المحاسبة التي أجرتها محكمة الموضوع ليخلص إلي عدم وجود العجز.
يلتمس مقدم الطلب في النهاية تدخلنا لنقض الحكم وبراءة المتهم.
من الجانب الآخر يرد الأستاذان المعز عثمان حضرة وعلي محمود حسنين على طلب المراجعة نيابة عن المقدم ضده طلب المراجعة فيما يمكن تلخيصه فيما أسماه بدفع مبدئي مفاده أن المحكمة العليا ليست محكمة وقائع ولكنها تتدخل إذا خالفت محكمة الموضوع التطبيق السليم للقانون في تقييم البينة أو خالفت نصاً صريحاً في القانون وطالب المراجعة لم يوضح هذه المخالفات ولا يجوز له مناقشة الوقائع في هذه المرحلة، ولذلك يلتمس شطب طلب المراجعة لعدم وجود أسباب للمراجعة.
يمضي محامي المراجع ضده في سرد الوقائع الموضوعية للرد على الطلب حيث يذكر أن المتهم كان المسؤول الأوحد عن الحسابات فهو الذي يبيع ويستلم الأموال والمدير العام للمصنع غير موجود بالسودان، فهو مصري مقيم بالقاهرة ويحضر على فترات خلافاً لما ذهب إليه مقدم طلب المراجعة، فالوقائع أثبتتها شهادة الشهود وإقرار المتهم ويذهب محامي المقدم ضده طلب المراجعة إلي القول بأن كل ما قدمه الدفاع كان يدور حول أن النظام المحاسبي غير منضبط وهذه حجة على المتهم وليس لصالحه فهو المسؤول عن إعداد الحسابات ويتحمل وزر ما ينجم من أخطاء والمدير المالي "شاهد الاتهام الثاني" لم يكن موجوداً في الفترة التي كان فيها المتهم مسؤولاً وأن محكمة الموضوع استبعدت الفترة التي عمل فيها شاهدا الاتهام الثاني مديراً وحملت المتهم مسؤولية الفترة التي كان فيها الأمر بيده.
من جانب آخر يرد محامي المقدم ضده طلب المراجعة على أنه غير صحيح ما ذهب إليه طالب المراجعة من أنه لا يوجد شاهد اتهام أو دفاع أجرى مراجعة للحسابات في فترة هذا الأسبوع وأثبت وجود العجز ويتساءل محامي المقدم ضده الطلب من أين أتى الزميل الموقر بهذا القول الذي لا يمت
م ع/ط ج/573/2008م(ص4)
م ع/مراجعة/10/2009
للحقيقة بصلة؟؟ ويرى أن سبب ذلك عدم مباشرة مقدم الطلب لإجراءات الدعوى أمام الحكمة حيث يوجد تقرير مالي يوضح العجز المالي المسؤول عنه المتهم وبتوقيع المتهم نفسه (م 1-2).
وأن المتهم طالب أثناء البلاغ بإجراء مراجعة أخرى (مستند اتهام (4)) هو المراجعة التي تمت من قبل المراجع العام مؤيداً للتقرير الأول "مستندي اتهام (1) و (2)" وعليه فالمستند وفقاً للمادة (37) من قانون الإثبات لسنة 1993م يعتبر دليلاً قاطعاً على ما أشتمل عليه ولا تقبل الشهادة لإثبات ما يجاوز ما أشتمل عليه المستند أو يعدله أو يعارضه إلا في حالات خمس استثنائية ليس من بينها عدم انضباط الحسابات التي وقع عليها المتهم وأقر بذلك في المحكمة مما يُعد صورة من صور الإقرار وفقاً للمادة (18) من قانون الإثبات وأن اعتبر إقراراً غير قضائي وفقاً للمادة (17) من قانون الإثبات فقد ثبت بالبينة أن المتهم قد وقع على المستند (1) و (2) ويرى المقدم ضده الطلب أنه لا يجوز مطلقاً الاستماع إلي بينة عن عدم دقة الحسابات طالما أن المتهم هو الذي يعد الحسابات وهو الذي يقوم بالبيع وهو الذي يقوم بالتحصيل والصرف وهو المسئول عن الخزنة وأنه غير صحيح أن المحكمة قضت بعلمها لأن المستند (1-2) لم يوضح أي عجز ، فالمحكمة استندت في حكمها للمستند (4) وهو تقرير المراجع العام الذي طلبه المتهم شخصياً وبالتالي فالمحكمة لم تقض بعلمها الخاص بل على تقارير وقعها المتهم وأخرى طلبها المتهم نفسه وكل هذه المستندات تؤكد وجود العجز كما أن المحكمة خبير الخبراء كما قالت بذلك السوابق القضائية فلها الحق في القيام بأي عمليات حسابية أو خلافها وهذا في مصلحة المتهم للتثبت مما ورد في التقارير المقدمة رغم أنها مستندات رسمية وأن الدفع بوجود خلل في المحاسبة لم يقل به المتهم نفسه في المحكمة فالمستندات كما يرى محامى المقدم ضده الطلب صحيحة وتتحدث عن نفسها ولا تحتاج إلى تفسير وما قام به مقدم طلب المراجعة ما هو الا اجتهاد من قبله لدحض مسؤولية المتهم بلا سند0
ويرى محامى المقدم ضده طلب المراجعة إن ما ورد فى المذكرة الأصلية فالمستندات المشار إليها لا يمكن تجزئتها وقد توصلت محكمة الموضوع إلي مبلغ 7.476.903 بالطريقة التي أوردها مقدما الرد على طلب المراجعة ومنها أن مبلغ 10.711.474.035 هو أصلاً عجز مالي عرف انه كمصروفات ولكنها مصروفات غير معتمدة لأنه لا توجد مستندات تؤيدها وهى غير منطقية واعتبرت عجزاً. وقد أيد هذا العجز تقرير المراجع العام(م(إ)4) الذي طالب به المتهم باعتباره جهة محايدة وان أية مصروفات قدمها المدان ولم تقبل اعتبرت عجزاً وأنه قد مثل شهود خبرة وما قضت به المحكمة كان من واقع إفادات هؤلاء الشهود والمستندات وليس اجتهاداً من المحكمة وأن المحكمة لم تعتبر القيودات المذكورة تواريخاً خلافاً لما ورد في طلب المراجعة.
في النهاية يلتمس محاميا الشاكي المقدم ضده طلب المراجعة تأييد حكم المحكمة العليا.
بالرجوع لإجراءات المحاكمة وقضاء محكمتي أول وثاني درجة نجد أن الوقائع حسبما جاء في حيثيات محكمة الموضوع تتلخص في أن المتهم كان يعمل في مصنع سودانوم للإسفنج في الإدارة
م ع/ط ج/573/2008م(ص5)
م ع/مراجعة/10/2009
المالية ومسؤول عن المبيوعات النقدية وحساب المصنع لدى البنك وأثناء توليه هذه الوظيفة أتضح وجود فرق في المبالغ بين المستلم فعلاً والمصروف في الفترة من توليته مهمته حتى 7/10/2004م حيث كان مسؤولاً عن كل التوريدات والمنصرفات.
تم فتح بلاغ في مواجهة المتهم وجرى التحري اللازم وأحيلت الدعوى لمحكمة الموضوع التي قضت بعد سماعها للدعوى ببراءة المتهم وأيدتها فيما ذهبت إليه محكمة استئناف أمدرمان.
طعن الشاكي أمام المحكمة العليا التي ألغت حكمي الاستئناف والموضوع وأمرت بإعادة الأوراق لمحكمتها لإعادة النظر مع الإذن لها بسماع بينات إضافية حيث استمعت المحكمة لبعض الشهود فأصدرت حكمها آنف الذكر والذي تم استئنافه لمحكمة أمدرمان فقضت بتأييده وشطب الاستئناف حيث تقدم المدان عن طريق محاميه بطعن للمحكمة العليا التي قضت بتأييد الإدانة والعقوبة كما أيدتها محكمة الاستئناف وأمرت بشطب الطعن مما كان سبباً في الطلب الماثل أمامنا الآن.
للفصل في الطلب المقدم نقرر الآتي:-
أولاً:
جوزت المادة 188 (1) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م تعديل لسنة 1998م مراجعة الأحكام القضائية النهائية الصادرة من المحكمة العليا كطريق استثنائي في حالة انطواء الحكم المطلوب مراجعته على مخالفة حكم من أحكام الشريعة الإسلامية أو مخالفة القانون تأويلاً وتفسيراً وتطبيقاً، هذا وقد فسرت المحكمة العليا في قرار المراجعة رقم 40/97 المنشور بالمجلة القضائية (أحكام الدائرة الدستورية ودوائر المراجعة لسنة 1995م 0 1998م ص102) "المقصود بمخالفة الحكم للشريعة الإسلامية يعني مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية قطعية الإسناد والدلالة أو مخالفة القوانين سواء كانت إجرائية أو موضوعية.."
هذا جانب ومن جانب آخر فالمعلوم أن المحكمة العليا محكمة قانون ولا تتدخل في وزن البينة وتقدير الدليل إلا إذا ثبت لها الخطأ في وزن البينة، "انظر قرار النقض بالنمرة/م ع/ط ج/1080/1991م مجلة الأحكام القضائية لسنة 1992م ص392"
هذا وقد وضع المشرع هذين القيدين على طلب المراجعة حتى لا يتم التوسع فيها بما يهدر نهائية الأحكام وإطالة أمد الخصومة إلي ما لا نهاية بإتاحة الفرصة لمقدم الطلب ليكرر أسباب ويدفع بدفوع سبق له تقديمها إلي محكمة النقض وإنما تعني المراجعة مقايسة الحكم المراد مراجعته بأحكام الشريعة الإسلامية سواء كان ذلك بالمعني الضيق الذي يحصر أحكام الشريعة الإسلامية في مصادرها أو في ذلك الحكم الواسع الذي يشمل الخروج الجسيم على القوانين المستمدة منها بحسب ما استقر عليه القضاء في تفسيرها.
ثانياً: الطلب المقدم لمراجعة حكم المحكمة العليا لم يحدد نصاً قانونياً أو حكماً شرعياً بعينه انطوى عليه الحكم محل المراجعة بالمخالفة له.
م ع/ط ج/573/2008م(ص5)
م ع/مراجعة/10/2009
ثالثاً: عناصر الجريمة تحت المادة 177 (2) من القانون الجنائي هي:
أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو مستخدماً لدى أي شخص.
أن يؤتمن على مال بتلك الصفة.
أن يأتي الجاني كل أو أحد الأفعال الآتية:-
جحد ذلك المال.
امتلاكه.
تحويله إلي منفعته أو منفعة شخص آخر.
تبديده.
هـ - التصرف فيه بإهمال فاحش.
و- سوء القصد أي قصد تحقيق كسب غير مشروع أو خسارة للغير.
وتحمي هذه المادة المال العام المملوك للدولة والمؤسسات العامة والشركات ذات الاقتصاد المختلط التي تسهم فيها الدولة أو إحدى وحداتها المحلية أو الإقليمية بنصيب ما والفعل المادي هو التصرف في هذا المال بقصد جلب ربح للنفس أو للغير أو بقصد تسبيب خسارة للغير. أو دون احتياط في استثماره أو إدارته فيؤدي ذلك إلي ضياع المال كله أو بعضه أو تبديده.
غني عن البيان أن النص لم يقصر المسؤولية على الموظف العام بل يمكن أن يكون شخصاً طبيعياً مستخدماً لدى شخص اعتباري أو غيره كما في هذه الدعوى. وبإنزال هذه العناصر والضوابط على الدعوى التي أمامنا ثابت أن المدان يعمل في وظيفة مدير للمبيوعات لدى المصنع الشاكي فبالتالي فهو مستخدم بمعنى النص.
وثابت أيضاً أن المحكوم عليه مؤتمن ومسلط على مال المصنع الشاكي ويده على مال المصنع يد تمكين وليست يد عارضة.
هذا ولما كان المدان مستخدماً لدى المصنع المذكور ومؤتمناً على أمواله وإدارتها، فالسؤال الهام الواجب طرحه هنا هو:
هل تصرف المدان في المال الذي تحت يده وإدارته وإشرافه بإهمال فاحش أو بغير ما تقضي به الحيطة اللازمة والحذر؟؟.
للإجابة على السؤال المطروح ينبغي تعريف معنى الإهمال، هذا فقد جاء في كتاب قانون العقوبات السوداني للأستاذ العلامة د/ محمد محي الدين عوض ص523:-
"...... والشخص الذي يأتي النشاط المنطوي على إهمال إنما يأتيه في ظروف تدل على أنه لم يتخذ الحيطة الواجبة عليه لأنه لو كان اتخذها لكان عنده تبصر لعواقب فعله".
أما عدم الاحتياط، فالفاعل يعلم كنه طبيعة عمله ويعلم أنه يمكن أن تترتب عليه نتائج ضارة ولكنه لم يتوقع النتيجة التي حدثت لأنه لم يستعمل مواهبه وسبب الجريمة هنا هو عدم التبصر في
م ع/ط ج/573/2008م(ص7)
م ع/مراجعة/10/2009
العواقب وهو خطأ يسأل عنه الفاعل جنائياً لأنه كان لديه علم ليس بالضرر المعين الذي حدث بل باحتمال حدوث نتائج سيئة.
بالرجوع للدعوى التي أمامنا على ضوء ما ابناه آنفاً فقد تأكد من شهادة شهود الاتهام أن المدان المحكوم عليه كان مسؤولاً عن المبيوعات وكان يستلم حصيلة المبيوعات ويقوم بالتوريد هذا من جانب ومن جانب آخر أكد شهود الاتهام من المراجعين الخبراء أن هناك فوضى وخللاً في النظام الحسابي وأكدوا وجود العجز في حسابات المصنع التي تمت مراجعتها في حضور المدان وعضويته في لجنة المراجعة وتوقيعه على المستند المتضمن حجة في مواجهته طالما وقع عليه باعتماده لما ورد فيه وكان في مقدروه أن لا يوافق ويبدي اعتراضه على ما دون في المستندات إن لم يكن مقتنعاً إلا أن ذلك لم يحدث.
كما أنه غير صحيح أنه لم يقم أي مراجع بمراجعة حساب المصنع للمدة التي كان فيها المدان مسؤولاً عن إدارة المصنع والإشراف على المبيعات فقد مثل أمام المحكمة أكثر من شاهد ممن قاموا بالمراجعة بما فيهم مندوب مكتب المراجع العام وأكدوا الخلل في النظام الحسابي للمصنع وعدم وجود العديد من الفواتير والمستندات التي تبين أوجه الصرف والمحضر خير شاهد بذلك كما أن المدان نفسه مقر بتوقيعه على مستند الاتهام رقم (2) الذي يوضح العجز كما أسلفنا كما أن ما ورد في التقرير المذكور "م. إ . (2) " يجد التعضيد اللازم في شهادة شهود الاتهام وتقرير المراجع العام الذي طالب به المدان نفسه والذي أثبت العجز المعني.
هذا ولما كان المدان هو الذي يُعد الحسابات ويقوم بالبيع والتحصيل والصرف فلإخلال الذي أكدته البينة في الإدارة والنظام المحاسبي والفوضى في حفظ المستندات والخزينة يكون المدان هو المسؤول عن هذه الفوضى التي تعتبر بلا شك من قبيل الإهمال الفاحش على أقل تقدير مما أدى بالعجز المنسوب للمدان والذي حاول التنصل منه بدعوى أنه غير مسؤول عن إخلال في النظام الحسابي لأنه ليس المدير العام بينما تأكد بالبينة أنه هو الذي يبيع ويستلم حصيلة البيع وإدارة المشتريات والمسؤول عن الإيرادات والمنصرفات التي أتضح أن بعضها لا يوجد له سند من المستندات كما أنه أقر بوجود العجز في الحسابات الخاصة بالمصنع بتوقيعه على مستندي الاتهام (1) و (2) وطالب بمراجع جاء تقريره في غير مصلحته مؤيداً ومثبتاً للعجز الحاصل كما أن العملية الحسابية التي توصلت بها المحكمة للعجز والحكم برد المبلغ المفقود للمصنع الشاكي لم تتم من فراغ بل من خلال المستندات المقدمة لها.
وأن ما جاء في طلب المراجعة من أن توقيع المدان على المستندين اللذين يؤكدان العجز لا يعتبر إقراراً بالعجز خلافاً لما رأته المحكمة العليا بل هو عملية إدارية لا يقدح فيما ذهبت إليه المحكمة العليا من أن المدان مسؤول عن العجز الذي حدث ووقع على المستند الذي يوضحه دون اعتراض منه مما يعني إقراره بالمستند وبالتالي يعتبر حجة عليه بما تضمنه ولا يقبل تنصله منه بواهي الأسباب.
م ع/ط ج/573/2008م(ص8)
م ع/مراجعة/10/2009
أما بالنسبة للعملية الحسابية التي جاءت في طلب المراجعة وأجراها طالب المراجعة فمردود عليها بأن محكمة الموضوع توصلت إلي مبلغ العجز وهو 7.476.903 حيث اعتبرت المبلغ الذي اعتبر كمنصرفات وهو 10.711.474.035 اعتبرته عجزاً لعدم وجود المستندات المنطقية التي تؤيده وقد أيد هذا العجز (م.إ.4) تقرير المراجع العام الذي طالب به المدان.
مما تقدم لا نرى سبباً يدعونا للتدخل في قضاء المحكمة العليا محل المراجعة مما يتعين معه رفض طلب المراجعة وشطبه.
الرشيد التوم محمد خير
قاضي المحكمة العليا
1/2/2009م
أوافق.
رباب محمد مصطفى
قاضي المحكمة العليا
16/3/2009م
أوافق وإن كنت أرى وللخلل الذي كان سائداً حسابات المصنع إذ بان عمل المتهم أن نخفض عقوبة السجن لتكون لمدة عشرة شهور.
محمد زمراوي ناصر
قاضي المحكمة العليا
17/3/2009م
أوافق على ما انتهى إليه مولانا الرشيد ................
نور الدين علي عبد المجيد
قاضي المحكمة العليا
26/3/2009م
أوافق الإخوة الأجلاء على شطب طلب المراجعة حيث إن الحكم المطلوب مراجعته لم ينطو على مخالفة للقانون أو الشريعة الإسلامية.
عبد المجيد إدريس علي
قاضي المحكمة العليا
29/3/2009م
م ع/ط ج/573/2008م(ص9)
م ع/مراجعة/10/2009
الأمر النهائي:
يشطب الطلب.
رباب محمد مصطفى أبو قصيصة
قاضي المحكمة العليـــا
ورئيـس الدائرة
29/3/2009م
@فوزية
0 تعليقات