جمهورية السودان
جامعة النيلين
كلية القانون
أحكـام جريمـة الــرشوة
وبيان أسبابها ووسائل مكافحتها
( دراسة فقهية مقارنة بين القانون السوداني واليمني )
مع التطبيق على الجمهورية اليمنية
رسالة مقدمة من الطالب
أمين أحمد محمد الحذيفي
لنيل درجة الماجستير
في القانون الجنائي
إشــراف
د/ بابكر الشيخ
أستاذ القانون الجنائي المشارك – نائب عميد كلية القانون بجامعة النيلين – الخرطوم
مقـــدمة :
الحمد لله الذي بين أحكام الحلال والحرام ، ووضح الحق والباطل صيانة للناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ودينهم ، وإقامة للعدل بين الناس ، وتوفيراً للأمن لهم والصلاة والسلام على خاتم المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين ، وعلى من تبعهم بإحسان واهتدى بهديهم إلى يوم الدين..
وبعد :
فإن جريمة الرشوة هي من المفاسد التي أصيبت بها المجتمعات القديمة والحديثة على حد سواء فهي جريمة أصلية عرفتها البشرية منذ القدم ووضعت لها عقوبات بالغة الشدة في التشريعات القديمة والحديثة ، وهذه العقوبات لا يمكن أن تقع من تلك التشريعات عبثاً لمجرد الرغبة في المنع ذاته وإنما تحقيقاً لمصلحة الناس ومنعاً للضرر الذي يمكن أن يصيب الجماعة ([1]) من هذه الجريمة في نظامها وأموالها.. فكانت في جمهورية أفلاطون وفي العصر اليوناني مثلاً الإعدام([2]) ، أما في القانون الروماني فقد نص على عقابها في قانون الألواح الاثنى عشر بالإعدام لمن يقترفها من القضاة([3]) .
والرشوة داء خطير تفتك بالمجتمعات وتلوث الشرف وتضيع العفة والكرامة وتنزع المهابة وملعون من أصيب بها كونها تنافي السلوك الإنساني وتضيع الحقوق وتقوي الباطل وتعين الظالم وعاقبتها لعنة في الدنيا وعقاب في الآخرة .
وقد انتشر هذا الداء في مجتمعات هذا العصر الحديث بشكل عام في معظم أجهزة ومؤسسات الدولة الحديثة إن لم نقل كلها ، وخاصة تلك الي تتعامل بصورة مباشرة ، ودائمة مع الجمهور ([4]).
وقد اتخذ هذا الداء مسميات مختلفة بعضه ظاهر واضح وبعضه خفي مستتر ، وبعضه اتخذ له أسماء أخرى يخفي بها حقيقته ، حتى كان أن يصبح الأصل أو القاعدة في معاملات الناس وتصرفاتهم .
ومن الواضح أن الرشوة فساد في نفسها وفي أثرها على الضمائر ، فهي تنشر الفساد ، وتقتل الضمائر ، وتخل بسير الأداة الحكومية وبالمساواة بين المواطنين أمام المرافق العامة ، وتضر بالمصلحة العامة .
فهي تنطوي على اتجار الموظف العام بوظيفتة واستغلالها لفائدته الخاصة ، فتتخطى – أي الرشوة – مقومات العدالة بحصول الراشي على ميزات أو خدمات يعجز عن الحصول عليها بدون الرشوة متخطياً حقوق الآخرين . فتثير الاضطرابات في العلاقات الإنسانية ، وتحدث إهداراً للقيم والعادات السائدة ، وتشكل تهديداً لسلطة الدولة والقانون باعتبارها من أخطر الآفات التي تصيب الوظيفة العامة، وأبلغ أنواع الفساد الذي يمكن أن ينخر في أجهزة الدولة.
ولذلك فقد حارب الإسلام الرشوة وحاربتها القوانين([5]) الوضعية بكافة صورها ، وهذا ما سنحاول إيضاحه مبينين موقف الفقه الإسلامي والقانون الوضعي وأوجه الالتقاء حيال هذه الجريمة ، وأيضاً أوجه الاختلاف إن وجدت ، مع بيان أساليب الشريعة الإسلامية في مكافحة الرشوة وذلك كونها من لدن حكيم خبير (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ))([6]) ، والله هو خالق البشر وصانعهم والصانع أدرى بالمصنوع . قال تعالى (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ))([7]) .
وعلى الرغم من العقوبات المقررة لجريمة الرشوة سواء في الشريعة الإسلامية أو في القوانين ، فإن التوقف عند مجرد رصد العقوبات فقط لا يوقف الرشوة كظاهرة اجتماعية ، وإنما بحاجة إلى وسائل إحياء الضمير والوازع الديني . فالعلاج الاجتماعي هو الذي يمثل الكابح الأقوى للرشوة ، حيث أن ما تضمنته قوانين العقوبات هو جانب علاجي بعد وقوع جريمة الرشوة إذا ما تم ضبطها وإثباتها فقط ، أما الجانب الأهم لمثل هذه الجرائم التي غالباً ما تكون في طي الكتمان فلا بد من التركيز على الجانب الوقائي والمتمثل في مرحلة ما قبل ارتكاب الجريمة وهو التركيز على مسببات الرشوة والوسائل الكفيلة بالقضاء على انتشارها.
وإذا كانت الشرائع والقوانين كلها قد جرمت الرشوة ووضعت لها العقوبات فلماذا ظلت هذه الجريمة تتزايد في واقعنا المعاصر وبشكل مخيف ، حتى أصبحت – كما سبق القول – هي الأصل أو القاعدة في معاملات الناس ؟
وإذا كان هذا هو واقع هذه الجريمة المتزايدة يوماً بعد يوم فما هي وسائل مكافحتها أو الحد من تزايدها ؟
هذا ما سنحاول إيضاحه إن شاء الله تعالى في الفصل الثالث من هذه الدراسة .
أهمية البحث :
يكتسب هذا البحث أهمية من خطورة الموضوع الذي يتناوله ، فالرشوة تؤثر سلباً على الوظيفة العامة والمصلحة العمومية ككل وذلك لخطورتها ، باعتبار أن أثرها يمس المجتمع بأسره ، إضافة إلى ما يمس الأفراد من الضرر بسببها ، إذ يضطر الفرد إلى دفع مقابل انتفاعه بخدمات المرفق العام ، بينما لا يفرض نظام هذه المرافق دفع هذا المقابل([8]) .
ولا شك أن تفاعل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحيطة بأفراد المجتمع عموماً وبالموظف العام خصوصاً قد أدت بدورها إلى انتشار هذه الظاهرة وتزايدها المستمر ، حتى صار من الأهمية بمكان التصدي لهذه الجريمة وبيان أركانها وعقوبتها ، مع بحث أسباب هذا التزايد وأهم وسائل مكافحة هذه الأسباب ، كون تفاعل هذه الظروف تجعل هذه الظاهرة في تصاعد مستمر وتطور دائم ، مما يعني ضرورة وأهمية البحث عن وسائل مكافحتها والتي قد تختلف وتتطور باختلاف هذه الظروف المتفاعلة باستمرار .
ومما يضاعف من أهمية البحث ويجعل موضوعه حياً هو تزامنه مع ظهور الاهتمام الواسع لمحاولات الإصلاح المالي والإداري ومحاولة القضاء على الفساد الكائن في الأجهزة الإدارية المختلفة ، سواء في اليمن أم في السودان ، فالسلطات السياسية تحسب أنها جادة في مكافحة هذه الجريمة .
فروض البحث :
1- ضعف الوازع الديني من أهم العوامل المؤدية إلى تزايد انتشار ظاهرة الرشوة .
2- تنتشر الرشوة حيث يضعف النظام الإداري ويغيب مبدأ الثواب والعقاب .
الظواهر التي بنيت عليها الفروض:
1- تزايد انتشار ظاهرة الرشوة لدى الموظفين والإتجار بالوظيفة العامة في جميع أجهزة الدولة.
2- تزايد شكوى المواطنين من اتساع رقعة هذه الظاهرة وعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد منها .
3- إخلال هذه الظاهرة بسير الأداة الحكومية .
أهداف البحث :
لقد بُـدئ البحث بالتعرف على الرشوة وبيان أركانها في فصله الأول ثم بيان علة وأساس تحريمها وعقوبتها بدراسة فقهية مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي في فصله الثاني وذلك للتوصل إلى الأهداف التالية:
1- التعرف على أوجه الاتفاق بين كل من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي حيال هذه الجريمة وكذلك أوجه الاختلافات إن وجدت .
2- التعرف على أهم العوامل المؤدية إلى اتساع هذه الظاهرة ، للتعرف على أهم الوسائل الكفيلة بمكافحتها وذلك من خلال الفصل الثالث التطبيقي على الجمهورية اليمنية .
3- لفت انتباه أفراد المجتمع نحو هذه المشكلة.
الـــدراسات الســـابقــة :-
لم أجد بحثاً يختص بدراسة الرشوة في القانونين اليمني والسوداني ، ومدى تطابقهما مع الفقه الإسلامي . ناهيك عن الجانب التطبيقي لهذا البحث على الجمهورية اليمنية ، وإن كانت دارسة شادية على قناوي ، قد تناولت دراسة ظاهرة الرشوة ، إلا أنها اقتصرت على المجمتمع المصري من جهة ، ومن جهة أخرى أقتصرت على العلاقة بين طيعة النظام الإقتصادي الإجتماعي للمجتمع المصري ، وبين انتشار الرشوة ، مؤكدةً دور الأزمات الإقتصادية في إنتشار الرشوة في المجتمع المصري .
وتتفق دارسة مجدي رزق مع سابقتها في ارتفاع حجم ظاهرة الرشوة في المجتمع المصري في فترة التحولات الإشتراكية ([9]) ، وهو ما يعني عدم استقرار تلك النتائج ، سواء في المجتمع المصري مستقبلاً أم في المجتمعات الأخرى إذا زالت تلك التحولات .
ولذلك تبرز أهمية تناول هذا الموضوع ، حتى أتم الله عليَّ النعمة بإكماله ، وذلك على المنهج الآتي :-
منهج الدراسة وتقنية جمع البيانات :
سوف تكون هذه الدراسة مقارنة بصورة أساسية مع أحكام الفقه الإسلامي للأسباب الآتية:
1- أن كلاً من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي قد اتفقا في تحريم الرشوة وفي مكافحتها بشتى الوسائل الممكنة شرعاً وقانوناً ، حفاظاً على المصلحة العامة .
2- أن الدراسة المقارنة توضح مدى سمو الشريعة الإسلامية وشمولها ، كونها شريعة الحق الصالحة لكل زمان ومكان ، وأن علينا عرضها في لغة العصر .
3- أننا في مجتمع إسلامي ، وفهم أحكام الرشوة في واقع تعاليم الشريعة الإسلامية يساعدنا في فهم الأسباب الحقيقية المؤدية إلى انتشارها ، للتوصل إلى الوسائل الكفيلة بالحد منها .
منهج الدراسة :
اتبعت في هذه الدراسة عدداً من المناهج العلمية أوجزها في الآتي :
1- المنهج الوصفي :
واعتبرته المنهج الرئيسي في هذه الدراسة ، وبصيغة خاصة تقوم دراستي على جانب ميداني مما يعتني كثيراً في إعطاء وصف للمشكلة موضوع الدراسة .
2- منهج المسح الاجتماعي :
وهذا منهج كما هو معروف يقوم على دراسة مجتمع من المجتمعات لمعرفة اتجاهاتهم نحو مشكلة معينة ، وقد استخدمت هذا المنهج لتغطية الجزء الميداني في الدراسة .
كما استخدمت طريقة المقارنة في إيراد المعلومات ، وبصفة خاصة أن القانون اليمني يحسب ضمن القواعد اللاتينية والسوداني يحسب ضمن المجموعة الإنجلوسكسونية ([10].
تقنية جمع البيانات :
1- الدراسة المكتبية :
وتمثلت في الرجوع إلى بعض المراجع العلمية التي تحتوي على البيانات الثانوية المتعلقة بموضوع الدراسة التي تناولها الجانب النظري ، معتمداً في هذه الدراسة على المنهج الوصفي في عرض وجهات النظر المختلفة ،ثم مقارناً بينها ومرجحاً بحسب ما تيسر .
2- الدراسة الميدانية:
حيث استخدمت أداة الاستبانة التي احتوت على عدد تسعة عشر سؤالاً تناولت عدداً من المحاور هي : ( الأوساط التي تنتشر فيها الرشوة ونتائجها ، موقف القادة الإداريين من الرشوة وواجباتهم ، دوافع عرض الرشوة من قبل صاحب المصلحة وأخذها من قبل الموظف ، أسباب انتشار الرشوة ، وسائل مكافحة الرشوة ، مسميات الرشوة ، دور وسائل الإعلام )
3- الرقعة الجغرافية للدراسة :
شملت قوانين اليمن والسودان ودولاً أخرى ، مقارنة بالفقه الإسلامي متى كان ذلك منساقاً ويخدم الفكرة .
4- طريقة الاعتيان :
اشتملت على عينة عشوائية من ضباط الشرطة لعدد أربعمائة ضابط من رتبة نقيب وحتى رتبة عقيد ، المنتسبين إلى وزارة الداخلية في الجمهورية اليمنية ، ممن يعملون في مختلف فروع الوزارة .
الصعوبات التي اعترضت إعداد هذا البحث :
1- ندرة المراجع التي يمكن أن تشكل مراجع مستقلة للرشوة في الفقه الإسلامي اللهم إلا إشارات عابرة في بطون الأمهات عند البحث في كتب القضاء والإمارة والولاية العامة .
2- صعوبة تتعلق بحساسية الموضوع والإجابة على الأسئلة حيث يتحفظ بعض المستهدفين عن الإجابة .
خطة البحث :
الفصل الأول : تعريف الرشوة وبيان أركانها . وسنتناول هذا الفصل من خلال المباحث الثلاثة التالية:
المبحث الأول : تعريف الرشوة . وتم تقسيمه إلى المطالب الأربعة التالية:
- المطلب الأول : التعريف اللغوي .
- المطلب الثاني : الرشوة في الفقه الإسلامي .
- المطلب الثالث : الرشوة في القانون.
- المطلب الرابع : الرشوة في القانون السوداني واليمني .
المبحث الثاني:أركان الرشوة . وسوف يتم دراسة الأركان من خلال المطالب الثلاثة التالية :
-
المطلب الأول :
الصفة المفترضة في المرتشي . وفيه ثلاثة فروع على
النحو الآتي:
الفرع الأول : في القانون .
الفرع الثاني : في الفقه الإسلامي .
الفرع الثالث : في القانون السوداني واليمني.
- المطلب الثاني : الركن المادي . وفيه ثلاثة فروع على النحو الآتي:
الفرع الأول : في القانون .
الفرع الثاني : في الفقه الإسلامي .
الفرع الثالث : في القانون السوداني واليمني.
- المطلب الثالث : الركن المعنوي. وفيه ثلاثة فروع على النحو الآتي:
الفرع الأول : في القانون .
الفرع الثاني : في الفقه الإسلامي .
الفرع الثالث : في القانون السوداني واليمني.
المبحث الثالث : مسائل عملية ونتناول هذا المبحث في المطالب الأربعة الآتية:
- المطلب الأول : حكم ما يتقاضاه الموظف مقابل عمل يقوم به في غير أوقات الدوام الرسمي ولكنه مما يتصل بعمله أو في أوقات الدوام الرسمي وليس من صميم عمله .
- المطلب الثاني : أحكام الهدية في الفقه الإسلامي والفرق بينها وبين الرشوة .
- المطلب الثالث : التحكيم للقاضي .
- المطلب الرابع : مبدأ مجانية القضاء .
الفصل الثاني :
أساس تحريم الرشوة وبيان عقوبتها . وفيه ثلاثة مباحث على
النحو الآتي :
المبحث الأول : أساس تحريم الرشوة وفيه مطلبان هما :
- المطلب الأول : علة التحريم وأساسه في القانون الوضعي .
- المطلب الثاني : علة التحريم وأساسه في الفقه الإسلامي .
المبحث الثاني : عقوبة الرشوة وفيه مطلبان :
- المطلب الأول : عقوبة الرشوة في الفقه الإسلامي .
- المطلب الثاني : عقوبة الرشوة في القانون الوضعي .
المبحث الثالث : مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي .
الفصل الثالث : أسباب ودوافع الرشوة ووسائل مكافحتها :
وسنتناول هذا الفصل من خلال مبحثين رئيسين هما:
المبحث الأول : أسباب ودوافع الرشوة وذلك على النحو الآتي :
- المطلب الأول: ضعف الوازع الديني .
- المطلب الثاني: ضعف النظام الإداري .
- المطلب الثالث : سلبية دور وسائل الإعلام .
- المطلب الرابع : القـــات .
المبحث الثاني : وسائل مكافحة الرشوة . وأهمها ما يلي :
- المطلب الأول : واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- المطلب الثاني : واجبات الضبط الإداري والقضائي .
- المطلب الثالث : وسائل إدارية .
- المطلب الرابع : واجبات الإعداد والتأهيل.
- المطلب الخامس : النشر والإعلان .
الخـــــاتــمــة
وبعد العرض لمفهوم الرشوة وأحكامها ثم بيان أهم أسبابها ووسائل مكافحتها نجد أن البحث قد حقق الهدف الرئيسي في التعرف على أهم الأسباب والدوافع الحقيقية وراء انتشار ظاهرة الرشوة ، ثم التعرف على بعض الواجبات الهامة التي تقع على عاتق الأجهزة الأدارية لمكافحتها ، وإثبات فرضية البحث والتحقق منها بأن عدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب وضعف الوازع الديني من أهم أسباب ودوافع اتساع نطاق ظاهرة الرشوة وتزايدها ، كماأن التربية الدينية وتطبيق مبدا الثواب والعقاب يأتيان في مقدمة الوسائل الهامة الناجحة في مكافحة هذة الظاهرة، مؤكداً ذلك الجانب التطبيقي من هذا البحث .
وخلاصة القول أنه على هدى هذه الدراسة يمكن توقع ثبوت الرابطة السببية بين عدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب وبين انتشار الرشوة وبشكل أكثر وضوحاً في ظل الإنتشار المتزايد للرشوة حالياً بسبب انعدام مبدأ الثواب والعقاب مضافاً إليه الحالة المادية المتردية والتي يمربها الموظف ، وتراجع القيم الدينية ، إضافة إلى أسباب ودوافع اخرى أثبتها البحث متوصلاً إلى جملة من أهم الوسائل الكفيلة بمكافحة الرشوة والحد منها ، فقد توصل البحث ألى النتائج والتوصيات التالية :-
أولاً : النتائج :-
1- أن الإ حساس الديني هو وحده الذي يصل بالموظفين ألى المرتبة التي نتمناها ، كون جميع أجهزة الرقابة ووسائلها تعجز عن ملاحقة العامل في حياته الخاصة والعامة .
2- وسائل الإعلام تمثل وسيلة فاعلة في مكافحة الرشوة كونها الوسيط الأكثر فاعلية لتوعية الفردوالأسرة والمجتمع واقناعهم بخطورة الرشوة
3- أن انتشار الرشوة أفقد الوظيفة الإدارية نزاهتها وهيبتها وأدى إلى انعدام الثقة بين المواطنين والأجهزة الإارية ..
4- أن ظاهرة الرشوة مشكلة اجتماعيةمصاحبة لتفاعل ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية يمربها المجتمع أثرت بدورها على أداء الأجهزة المختصة لمكافختها .
5- انتشار الرشوة في تصاعد مستمر بسبب عوامل من أهمهاضعف الوازع الديني وعدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ، وانعدام القدوة وعدم ملائمة المرتبات لارتفاع مستوى العيشة ، ( أنظر الجدول رقم (1) والجدول رقم (9) ).
6- أن الرشوة منتشرة لدى كافة درجات الوظفين ، ( أنظر الجدول رقم (10) )
7- أن غالبية المسئولين الإداريين يتحملون جزءاً كبيراً من المسئولية في سبب تزايد الرشوة ألى ماوصلت إليه حالياً وذلك يعود للأسباب التالية :-
(أ) أنهم لم يمثلوا القدوة الحسنة بالنسبة لأفرادهم بل غالباً ما تكون الرشوة بعلمهم إن لم تكن بتوجيه منهم ليعود لهم جزءمن الرشوة .
(ب) عدم توفيرهم لحقوق الموظفين .
(ج) أن الكثير من المسئولين الإداريين يعملون على تقريب الموظفين المرتشيين وتمكينهم من الوظائف الهامة ، (أنظر الجدول رقم (4) )
8- تتفاوت درجات الرشوة بحسب الدافع فمنها مايكون لستر الحال ، ومنها مايكون لتحسين الحال ، ومنها ما يكون للثراء ، وتتوزع هذه الدرجات – غالباً- على درجات الموظفين ، فا للموظفين الذين يرتشون لستر الحال غالباًَ مايكونوا من أصحاب الدخل المحدود ، وهم من القيادات الدينا ، (أنظر الجدول رقم (11) )
9- أن الرشوة تختفي وراء مسميات أخرى عديدة من أهم هذه المسميات : حق ابن هادي ، حق القات ، أتعاب ، عمولات ، تسهيلات ، ( أنظر الجدول رقم (3) )
10- إن العقوبات التي يفرضها القانون اليمني متمشياً مع المصري والفرنسي وغيرها – تتناسب مع الاتجاه بالتوسع في نطاق التجريم في الرشوة وتشديد العقوبات ، بينما المشرع السوداني توسع في نطاق التجريم ولم يرفع العقوبة .
حيث وقد لاحظنا عند التعرض للعقوبة أن القضاء السوداني غير مقتنع بالعقوبة ويرد على معظم طلبات الاسترحام بالرفض وعدم الاقتناع بالعقوبة .
ثانياً :- التوصيات :-
1- ضرورة تحقيق توازن في مستويات المرتبات للموظفين بوضع حد أدني يراعى فية ارتفاع تكاليف المعيشة . فا الموظف الذي يرتشي يكون غالباً ضحية الحاجة للمال لعدم تغطية مرتبه لأعباء المعيشة
2- وضع منهج تربوي تقوم أسسه على تربية النشء والمجتمع التربية الدينية ، وذلك كون التربية الدينية السليمة إجراء وفائي بينما العقاب إجراء علاجي ، والحكمة تقتضي أن الوقاية خير من العلاج .
3- تفعيل الرقابة الإدارية بالإشراف والمتابعة المستمرة
4- الضرب على يد كل من يقترف الرشوة دون تفرقة بين موظف وآخر حتى يتحقق الردع.
5- تشجيع الإبلاغ عن جرائم الرشوة ورصد الحوافزللمبلغين.
6- ضرورة اهتمام قوانين التوظيف باشتراط الأمانة والنزاهة وحسن السمعة في الموظف حتى تكتمل الصورة إلى جانب المؤهلات المطلوبة ونكون أمام رجل إن لم يردعه القانون يردعه الخوف من الله عز وجل والأخلاق التي تربى عليها .
7- وضع برنامج يقوم على غرس القيم والفضيلة لدى الموظف العام يدرس من خلال الدورات والندوات والنشرات الدورية والصحف عبر الإدارات المختصة كالتوجيه والعلاقات العامة و ... إلخ .
8- اتباع سياسة إعلامية من شأنها أن تؤدي إلى غرس القيم الاجتماعية والدينية الفاضلة في المجتمع ونبذ الفساد والرذيلة .
9- مساءلة المرتشي – في حالة عدم ثبوت الإدانة عليه – عن طريق تطبيق قانون الكسب غير المشروع : ( من أين لك هذا ؟) .
10- توصى المشرع السوداني برفع عقوبة الرشوة تمشياً مع مع الاتجاه السائد بتوسيع نطاق العقوبة سواء على غرار القوانين السودانية السابقة أو على غرار القوانين الأخرى .
الفهرس
الموضوع |
رقم الصفحة |
إهــداء ......................................................................................... |
2 |
شـكر ............................................................................................. |
3 |
مقـدمـة ........................................................................................ |
4 |
أهمـية البحـث ............................................................................... |
7 |
فروض البحث .................................................................................. |
7 |
الظواهر التي بنيت عليها الفروض ..................................................... |
7 |
أهداف البحث ................................................................................... |
8 |
الدراسات السابقة .............................................................................. |
8 |
منهجالدراسة وتقنية جمع البيانات ..................................................... |
9 |
الصعوبات التي اعترضت إعداد البحث .............................................. |
11 |
خطـة البحـث ............................................................................... |
11 |
الفصل الأول : تعريف الرشوة وبيان أركانها ...................................... |
14 |
المبحث الأول : تعريف الرشـوة ...................................................... |
15 |
المطلب الأول : التعريف اللغوي ....................................................... |
16 |
المطلب الثاني : الرشوة في الفقه الإسلامي ......................................... |
20 |
1- عند الحنفية................................................................................. |
20 |
2- عند الشافعية .............................................................................. |
21 |
3- عند المالكية................................................................................ |
21 |
4- عند الحنابلة ............................................................................... |
22 |
5- تعريف الرشوة في كتب التفسير والحديث والسنة .......................... |
22 |
المطلب الثالث : الرشوة في القانون ................................................... |
26 |
المطلب الرابع : الرشوة في القانون اليمني والسوداني ......................... |
31 |
أولاً : الرشوة في القانون اليمني ........................................................ |
31 |
ثانياً : الرشوة في القانون السوداني .................................................... |
32 |
المبحث الثاني : أركان الرشوة .......................................................... |
34 |
المطلب الأول : الصفة المفترضة في المرتشي ................................... |
35 |
الفرع الأول : الصفة المفترضة في المرتشي في القانون ...................... |
36 |
الفرع الثاني : الصفة المفترضة في الفقه الإسلامي ............................. |
39 |
الفرع الثالث : الصفة المفترضة في القانون اليمني والسوداني .............. |
41 |
أولاً : الصفة المفترضة في القانون اليمني .......................................... |
41 |
ثانياً : الصفة المفترضة في القانون السوداني ...................................... |
41 |
المطلب الثاني : الركن المادي ........................................................... |
44 |
الفرع الأول : في القانون .................................................................. |
45 |
الفرع الثاني : في الفقه الإسلامي ....................................................... |
49 |
الشروع في جريمة الرشوة ................................................................ |
50 |
أولاً : في القانون ............................................................................. |
50 |
ثانياً : في الفقه الإسلامي .................................................................. |
53 |
الفرع الثالث : في القانون اليمني والسوداني ....................................... |
54 |
أولاً : في القانون اليمني ................................................................... |
54 |
ثانياً : في القانون السوداني ............................................................... |
54 |
المطلب الثالث : الركن المعنوي ........................................................ |
57 |
الفرع الأول : في القانون .................................................................. |
58 |
هل القصد في الرشوة قصد عام أم قصد خاص ؟ ................................ |
59 |
الفرع الثاني : في الفقه الإسلامي ....................................................... |
61 |
الفرع الثالث : في القانون اليمني والسوداني ....................................... |
63 |
أولاً : في القانون اليمني ................................................................... |
63 |
ثانياً : في القانون السوداني ............................................................... |
63 |
المبحث الثالث : مسائل عملية ........................................................... |
65 |
المطلب الأول : حكم ما يتقاضاه الموظف مقابل عمل يقوم به خارج أوقات الدوام الرسمي ولكنه مما يتصل بعمله أو في أوقات الدوام الرسمي وليس من صميم عمله .......................................................... |
66 |
المطلب الثاني : أحكام الهدية في الفقه الإسلامي والفرق بينها وبين الرشوة ............................................................................................ |
70 |
المطلب الثالث : التحكيم للقاضي ....................................................... |
74 |
المطلب الرابع : مبدأ مجانية القضاء .................................................. |
75 |
تعقيب .............................................................................................. |
76 |
الفصل الثاني : أساس تجريم الرشوة وبيان عقوبتها ............................. |
79 |
المبحث الأول : أساس تجريم الرشوة ................................................. |
80 |
المطلب الأول : علة التجريم وأساسه في الفقه الإسلامي ...................... |
81 |
أولاً : من القرآن الكريم .................................................................... |
83 |
ثانياً : من السنة المطهرة .................................................................. |
85 |
ثالثاً : الإجمــاع ........................................................................... |
86 |
المطلب الثاني : علة التجريم وأساسه في القانون ................................. |
88 |
المبحث الثاني : عقوبة الرشوة .......................................................... |
91 |
المطلب الأول : عقوبة الرشوة في الفقه الإسلامي ............................... |
92 |
(1) العقوبة التعزيرية بالضرب ......................................................... |
94 |
(2) العقوبة التعزيرية بالحبس أو النفي .............................................. |
94 |
(3) العقوبة التعزيرية بالتشهير والتوبيخ ............................................. |
95 |
(4) العقوبة التعزيرية بالمصادرة والغرامة المالية ............................... |
95 |
(5) العزل من الوظيفة ..................................................................... |
95 |
المطلب الثاني : عقوبة الرشوة في القانون الوضعي ............................ |
97 |
(1) الأشغال الشاقة المؤبدة ................................................................ |
98 |
(2) الغرامـة .................................................................................. |
101 |
(3) المصـادرة ............................................................................... |
102 |
(4) العزل من الوظيفة ..................................................................... |
104 |
(5) العقوبات المشددة للرشوة ............................................................ |
105 |
الإعـفاء من العقـاب ...................................................................... |
106 |
المبحث الثالث : المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي ............ |
108 |
تمهيـد ............................................................................................ |
108 |
المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي .................................... |
110 |
عقوبة العزل من الوظيفة .................................................................. |
111 |
أولاً : موقف الفقه الإسلامي .............................................................. |
112 |
ثانياً : موقف القـانـون ................................................................... |
112 |
الفصل الثـالث : أسباب الرشوة ووسـائل مكافحتهـا ........................ |
115 |
تمهيد وتقسيم .................................................................................... |
116 |
المبحث الأول : أسباب ودوافع الرشوة ............................................... |
118 |
تمهيد وتقسيم .................................................................................... |
118 |
المطلب الأول : ضعف الوازع الديني ................................................ |
120 |
المطلب الثاني : ضعف النظام الإداري .............................................. |
124 |
المطلب الثالث : سلبية دور وسائل الإعلام ......................................... |
128 |
المطلب الرابع : القات ...................................................................... |
131 |
المبحث الثاني : وسائل مكافحة الرشـوة ............................................ |
134 |
تمهيد وتقسـيم ................................................................................. |
134 |
المطلب الأول : واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ................. |
137 |
المطلب الثاني : واجبات الضبط الإداري والقضائي ............................ |
139 |
1- الضبط الإداري .......................................................................... |
141 |
2- الضبط القضائي ......................................................................... |
142 |
الحالة الأولى : حالة الجريمة المشهودة .............................................. |
143 |
الحالة الثانية : في حالات أخرى غير حالة الجريمة المشهودة .............. |
144 |
الحالة الثالثة : حق التفتيش ................................................................ |
144 |
الحالة الرابعة : الندب للتحقيق ........................................................... |
145 |
المطلب الثالث : واجبات إدارية ......................................................... |
146 |
1- تفعيل الرقابة الإدارية ................................................................. |
146 |
2- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب .................................... |
148 |
3- عزل الموظف المرتشي .............................................................. |
149 |
4- اشتراط مواصفات معينة في الموظف العام ................................... |
149 |
5- اشتراط مواصفات معينة في القائد الإداري ................................... |
150 |
المطلب الرابع : واجبات الإعداد والتأهيل ........................................... |
151 |
أولاً : الإعـداد العقـلي والعـلمي ................................................... |
151 |
ثانياً : الإعـداد الخـلقي .................................................................. |
152 |
ثالثاً : التربية الدينيـة ...................................................................... |
152 |
المطلب الخامس : النشـر والإعـلان ............................................... |
156 |
الخاتـمة ......................................................................................... |
158 |
أولاً : النتـائـج .............................................................................. |
158 |
ثانياً التوصيات ................................................................................. |
159 |
بيان بأهم المراجع ............................................................................ |
161 |
الفهـرس ........................................................................................ |
173 |
ملحقات البحث ................................................................................. |
178 |
([1]) الدكتور علي حسن الشرفي : شرح الأحكام العامة للتشريع العقابي اليمني وفقاً لمشروع القانون الشرعي للجرائم والعقوبات ، الجزء الأول ، النظرية العامة للجريمة ، دار المنار – القاهرة – 1993م ، صـ15 .
([2] ) الدكتور حسين مدكور : الرشوة في الفقه الإسلامي مقارناً بالقانون ، الطبعة الأولى ، دار النهضة العربية – القاهرة – 1984م ، صـ157.
([3] ) اللواء حسن الألفي : جرائم الرشوة واستغلال النفوذ وأساليب مكافحتها ، مجلة الأمن العام ، المجلة العربية لعلوم الشرطة – القاهرة – العدد 116 ، السنة التاسعة والعشرون ، 1987م ، صـ33.
([4] ) مثال ما جاء في حكم المحكمة العليا السودانية : (( تحقيقاً لصون الوظيفة العامة، خاصة القوات النظامية وبالضرورة الشرطة لتعاملها المباشر مع الجمهور وأنه لم يكن كافياً فقط عزل المدان عن قوة الشرطة علها تطهر من أمثاله ، إلا أن الطعن لم يكن مبنياً على مخالفة القانون فيما قام عليه من سبب ... وإن أخطأت محامية الشاكي طرقها فذلك لا يبرر لنا استخدام سلطتنا في الفحس ، ويكفينا الإشار لخلل العقوبة ليصحح بها قاضي الموضوع التطبيق المستقبلي ، وكذلك المحكمة العامة . لذلك فإنه ليس من مصير لهذا الطلب أفضل من الشطب )) . ( حكومة السودان ضد فتحية طه محمد وآخرين في 26/2/2001م ثمرة : م ع / ط/ 65/2001م ) .
([5] ) نص قانون العقوبات السوداني لسنة 1925م في القسم الثالث عشر منه تحت عنوان (( الجرائم التي يرتكبها الموظفون العموميون أو المتعلقة بهم )) وخصص المواد من 128 إلى 135 للرشوة ، وتقابلها المواد من128 إلى 135 من قانون العقوبات لسنة 1974م وكذلك المواد من 128إلى 135 من قانون العقوبات لسنة 1983م بينما أفرد القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م المادة 88 منه لتنظيم أحكام الرشوة ، كما نص قانون العقوبات اليمني ( في الشمال سابقاً ) رقم 21 لسنة 1963م في الباب الرابع منه تحت عنوان (( الرشوة )) في المواد من 51 إلى 63 ويقابلها في قانون العقوبات ( في اليمن الجنوبي سابقاً ) لسنة 1976م في الفصل الأول من الباب الثامن تحت عنوان (( جرائم الموظفين )) خصص للرشوة المواد من 217 إلى 219 واللذان ألغاهما القرار الجمهوري بالقانون رقم (21) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات وأفرد للرشوة الفرع الأول من الفصل الأول في الباب الرابع تحت عنوان (( الرشوة )) وخصص المواد من 151 إلى 161.
([8] ) الدكتور فتوح الشاذلي : الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ، الطبعة الأولى ، دار المطبوعات الجامعية – الاسكندرية - 1992م ، صـ19.
([9] ) الدكتور رزق سند إبراهيم ليلة : قراءات في علم النفس الجنائي ، دار النهضة العربية – بيروت – 1990 ، صـ 245 .
([10] ) في النظام اللاتيني النص الجديديلي النص القديم ، بينما في النظام الإنجلو سكوني يعتبر النص القديم (الإنجليزي)هو الأصل –بمعنى المصدر المباشر لما بعده – فالنص الإنجليزي هو الأصل بالنسبة إلى القوانين السودانية السابق صدورها قبل اليوم الأول من يناير 1956م (تاريخ إعلان استقلال السودان ) . حيث صدر بعد ذلك القانون رقم (28) لسنة 1967م المعدل القانون تفسي القوانين والنصوص العامة ، الذي تنص الفرة الأولى من المادة (15) أنه إذا تعارض نص عربي مع نص إنجليزي يسود العربي باعباره الأصل .
0 تعليقات